ذوي القرابة الذين لا يرثون، والفقراء، والأيتام الذين لا أموال لهم، فهم ضعفاء للعجز عن التكسب- نصيباً من المال المقسوم، تطييباً لخواطرهم، واقتلاعاً لنزعات التلهف والحسد من قلوبهم.
وهذا قول ابن عباس، إلا أن ابن عباس جعل قوله تعالى:{فَارْزُقُوهُمْ}[النساء: ٨] وقوله: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[النساء: ٨] أمرين؛ إن أمكن امتثالهما كليهما وجب العمل بهما، وإن تعذر أحدهما عمل بالآخر، فالذين يتولون القسمة مأمورون بهذا العطاء، ومأمورون بإحسان القول إليهم، كيلا يوحشوهم بما يدل على التحقير والملل من ذلك العطاء؛ لأن المقصد من العطاء هو التألف وجبر الكسر القلبي، فلا يقارن بما ينقض المقصود منه، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى}[البقرة: ٢٦٤] الآية، وقال النابغة:
علي لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب
وقول ابن عباس:«هُمَا وَاليَانِ» أعاد الضمير على شيء مفهوم من المقام من قوله: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ}[النساء: ٨]، فـ «واليان» هو تثنية (والٍ) بمعنى الذي يلي القسمة، أي هما صنفان: صنف بقسم ويرث، وصنف يقسم عن غيره وهو ولي اليتيم إذا كان في الورثة صغار، فليس مراد ابن عباس أن الله أمر احد الفريقين بالإعطاء، وأمر الآخر بأن يقول لهم معروفاً، وإنما أراد أن أحدهما مأمور بشيئين، والآخر مأمور بالقول المعروف خاصاً؛ إذ لا يملك غيره ولا يأمره الله إلا بما يمكنه، فإجمال الآية اقتضاه الإيجاز ويبينه الفهم المستقيم وهذا هو القول الأسد.
* * *
[باب إذا قال الواقف: لا نطلب ثمنه]
إلا إلى الله فهو جائز [٤: ١٥، ١٩]
لعل البخاري أراد من هذه الترجمة الرد على أي حنيفة وغيره من فقهاء الكوفة، إذ منعوا الوقف، ورأوه من قبيل السائبة؛ لأن الواقف يجعل الموقوف ملكاً لله؛ فقالوا: هذا يشبه جعل المشركين الشيء ملكاً للآلهة.
ووجه القياس عندهم انه تعطيل لملك الناس، وصرفه إلى من لا يستفيد من الملك، فلذلك كان شريح إذا سئل عن الوقف، يقول: لا سائبة في الإسلام.