للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب التوحيد]

[باب «وكان عرشه على الماء»]

[١٥٢: ٩، ٢]: (عن عمران بن حصينٍ قال: إنِّي عند النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه قومٌ من بني تميمٍ فقال: «اقبلوا البشرى يا بني تميم» قالوا: بشَّرتنا فأعطنا فدخل ناسٌ من أهل اليمن فقال: «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميمٍ» قالوا: قبلنا). الحديث.

فسَّره الشارحون بما لا أحسبك تطمئن إليه، والذي عندي في تفسيره أن البشرى في عادة العرب هي العِدَة بالعطاء؛ فكان الوافد إذا وفد على ملك أو عظيم بشره بقضاء لُبَانته، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار لما بلغهم مجيء مال، فتعرضوا للرسول في صلاة الصبح: «أبْشِرُوا وأمِّلُوا»، فكان هذا معروفًا عندهم.

وأما بشرى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي الوعد بما من شأنه أن يفد الناس إليه لأجله؛ وذلك هو ما فيه النجاة والصلاح، كما قال تعالى: {ولَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} وهي قول الملائكة في حق لوط: {فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ} وقولهم في حق آله: {رَحْمَتُ اللَّهِ وبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ}، فلما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني تميم: «اقبلوا البشرى» كان شأنهم أن يفهموا مراده ويعلموا أنهم لم يجيئوا عافين وإنما جاؤوا مؤمنين تائبين، فالبشرى المناسبة لمقدمهم هي بشرى القبول عند الله تعالى، ولكنهم غلبت عليهم جفوة الأعراب ساعتئذ فذهب وهمهم إلى أنها بشرى بالعطاء، وزادوا جفوة، فاستعجلوا ما توهموه؛ فلذلك كره منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وجعلهم غير قابلين البشرى، أي غير قابلين البشرى المقصودة ولا منتظرين العطاء المحسوب، فقالوا (بشرتنا فأعطنا)، فكانت حالهم من يخشى عدم الوفاء بالبشرى، وهذه جفوة ثانية، وكان أهل اليمن أرجح أحلامًا وأكرم أخلاقًا فقالوا: (قد قبلنا).

ووقع فيه قوله [١٥٣: ٩، ٦]:

(«هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه الَّتي ولد فيها»).

<<  <   >  >>