والمجازفة، ودحض الغرور؛ وذلك من أصالة الرأي، وحكمة معرفة الحقائق.
وبهذا تعلم أن ليس كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاصّاً بالمدح المخالف للواقع كما خصه به بعض شراح صحيح مسلم.
ففي الإكمال لعياض:«قال أهل العلم: هذا كله في التفاوت في المدح ووصف الإنسان بما ليس فيه أو لمن يخشى عليه العجب والفساد بسماع المدح؛ وإلا فقد مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومدح غيره بحضرته بالنثر والنظم فلم يُنكر». اهـ.
وقد روي:«ولا يُزَكِّي على الله أحداً» بالبناء للمعلوم ونصب «أحداً»، أي يزكي أحدكم إن كان مادحاً أحداً بما يدل على الجزم واليقين؛ لأن باطنه لا يعلمه إلا الله، فمن زكاه فقد زكَّى على الله، أي أخبر بما شأنه أن لا يخبر به إلا الله تعالى، فضمن «يزكِّي» معنى (يتقول).
وروي بالبناء للمجهول ورفع «أحد» على أنه نائب فاعل، وهي بمعنى الأولى؛ ولكن على هذه الرواية تحتمل أن تكون هذه الجملة معطوفة على «أحسب»، فتكون من المقول، وأن تكون معطوفة على «فليقل».
* * *
[باب الهجران]
وقع فيه قول عوف بن الطُّفَيْل [٨: ٢٥، ٩]:
(فَأَقْبَلَ به المسور وعبد الرَّحمن ابن الأسود مُشتملين بأرديتهما).
ذكر هذه الحال ليدلَّ على أنهما لبسا رداءيهما لئلا يظهر شخص ابن الزبير من ورائهما حين يدخلان به على عائشة - رضي الله عنه -.
والاشتمال: الالتفاف بالثوب، أي إدارته على البدن كله بحيث لا يخرج منه يديه.
* * *
باب ما يجوز من الهجران لمن عصى [٨: ٢٦، ٤]
الظاهر أن قوله:«لِمَنْ عَصَى» ذكر في الترجمة سهواً ليظهر وجه دخول حديث عائشة في قولها: «لا أهجر إلا اسمك» تحت الترجمة، فيكون الهجران الجائز نوعين: نوع هو الهجران المعروف، وهو جائز لمن عصى. ونوع هو مغاضبة وليس بهجران،