بنحو المسح على رقبته والتذبذب له بالسوط والكلام المعتاد، فإن كان جواداً أوسع في السير حتى يتجاوز حدَّ طاقته فيوقعه ذلك في تقطيع أوصال عنقه أو ظهره؛ إذ هما آلة حركة سير الخيل وفيهما تظهر آلام شدة الإعياء على الدَّابة، أي فيهجن ويصيرُ فِسْكِلاً بعد أن كان جواداً؛ وإن كان الفرس غير جواد فقد كلفه ذلك التلطف به ما ليس في وسعه فلا يلبث أن يحسر عنه ويظهر إعياؤه.
ولذلك كله عبَّر في التمثيل مرة بالعنق ومرة بالظهر رمزاً إلى المشبه به؛ لأن العرب يقولون للفرس الجواد: تقطعت أعناق الخيل عليه فلم تلحقه، وهو مبالغة.
ولذلك كله عبَّر في التمثيل مرة بالعنق ومرة بالظهر رمزاً إلى المشبه به؛ لأن العرب يقولون للفرس الجواد: تقطعت أعناق الخيل عليه فلم تلحقه، وهو مبالغة.
ومن كلامهم: فلان تُقَطَّع إليه أعناق الإبل، أي يسارع الناس في الرحلة إليه، وقد قال عمر ذلك في حق أبي بكر - رضي الله عنه - حين ذكر بيعته في بعض خطبه.
وهذه الاستعارة تمثيلية مكنية، ثم إنك إذا اعتبرت فيها حضور الممدوح أو تقدير بلوغ المدح إليه، فالتمثيل صالح لأن يجعل فيه كل جزء من أجزاء الهيئة المشبهة مشبهاً بجزء من أجزاء الهيئة المشبه بها، وهو أحسن صفات الاستعارة التمثيلية: أن تكون صالحة للجمع والتفريق في التشبيه؛ وإن كان الممدوح غير حاضر ولا خطر بالبال بلوغ ذلك إليه حين النطق بها، فالتمثيل لحال المادح فقط ولا يجعل التشبيه فيه مفرق الأجزاء.
* * *
[٨: ٢٢، ٨]: («إن كان أحدكم مادحاً لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا»).
لأن في ذكر فعل الحسبان إشعاراً بأنه إنما مدحه بما بدا له من ظاهر حاله، ففيه احتراس؛ وذلك ينبه الممدوح إلى محاسبة نفسه على محامده ونقائصه.
* * *
[٨: ٢٢، ١٠]: («ولا يُزكَّى على اللهِ أحَدٌ»).
فائدته: أنه لما ذكر ما يدلَّ على عدم العلم ببواطن الأمور أو بعواقبها وتفويضه إلى علاَّم الغيوب، ففيه زيادة تنبيه الممدوح إلى تذكر نقائصه وتنبيهه إلى الجهل بعواقب انتقاص محاسنه ليحرص على إقلال الأولى ويدأب على الاستكثار من الثانية.
وفي هذا التأديب تربية للأمة على الصدق، وتوخِّي الحقائق، وطرح المبالغات