أشكل على الناظرين وجه سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - على منكر. وفي روايات أخرى لغير البخاري أنه قال لها:«إلا آل فلان». وفي رواية:«فلما قالت له ذلك أَبَى، قالت: فراجعته مراراً فأذن لي». وفي رواية قال:«اذهبي فكافئيهم» حتى قال بعضهم: لعل النياحة كانت مباحة، ثم كرهت كراهة تنزيه، ثم تحريم؛ فيكون الإذن المحكي في الروايات وقع لبيان الجواز مع الكراهة.
وأنا أرى: أن النهي صريح في التحريم. وحسبك أنه قد أخذ عليهن العهد على تركه في عداد محرمات، وأن التحريم ورد ساعتئذ، وقد سبقه موت الذي كان أهله أسعدوا القائلة بنياحة من قبل، وكان في تخلفها عنهم بلوغ تحريم النياحة واشتهاره يوقع في نفوس أهل الميت على المرأة المتحدث عنها، وظنّاً أنها تخلَّفت عنهم لأمر ما، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص لها ولهم تلك الساعة استصحاباً لحال الإباحة حتى يبلغهم التحريم ويستقر الحكم، وإلا فلا حَدَّ للآتي سَاعَدْنَ وَسُوعِدْنَ على النياحة، فلا يكون الإذن لهذه المرأة في هذه المرة مجدياً لها في حادثة أخرى ولا لغيرها.
* * *
باب قوله {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُم} الآية
وقع فيه قول الراوي [٦: ١٩٢، ٣]:
(وكانت الأنصارُ أكثر من المهاجرين حين قدمُوا المدينة، ثمَّ إنَّ المُهاجرين كثُرُوا بعدُ).
زاد الراوي هذا الكلام ليتضح معنى الآية؛ لأن العزة هي الكثرة، كما قال الشاعر: