يؤمِّن الله تعالى، والله قوي عزيز، فلذلك كره لهم هذا القول.
وذلك هو معنى تعليل النهي بقوله:«إن الله هو السلام»، أي أن الله هو الذي يؤمِّن الحائفين، فالأمان كله منه، فاختار لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من صيغ التحية قول:«التحيات لله»؛ لأن أصل وضعه أنه دعاء للمخاطب بالحياة؛ لأنهم كانوا يقولون: حيَّاك الله، وأحياك الله، ثم أطلقوا مصدر حيَّاهُ، وهو التحية عِوضاً عن الفعل، ثم نقلوه إلى إنشاء التعظيم والتكريم، ولما أريد دفع إيهام أن يكون المقصود الدعاء لله بالحياة المستلزم أنه محتاج إلى الدعاء كسائر من يخشى الموت عُدي باللام الدالة على الاستحقاق ليكون متعيناً لمعنى التعظيم، أي أن التحيات كلها مختصة بالله حقيقة؛ لأنه أهل التعظيم المطلق؛ فكان هذا اللفظ موفياً بواجب الأدب مع الله ومنتفياً عنه إيهام احتياج الله إلى تأمين خلقه إياه؛ فهذا وجه الفرق بين الصيغتين من جهة أصل الوضع ومن جهة التفاضل في الاستعمال.
وهناك وجه آخر لترجيح صيغة «التحيات لله» على صيغة «السلام على الله»، وهو أنَّ كلتا الجملتين وإن كانتا مستعملتين في إنشاء التعظيم والتكريم إلا أن الإنشاء الذي في قولهم:«السلام على الله» فيه شائبة الإكرام والمنَّ؛ لأن أصل وضعه أنه إنشاء أمان، فاستعماله في إنشاء الإكرام مشعر بأنه إكرام الأكفاء بعضهم بعضاً، بخلاف صيغة «الحيَّات لله» فإن أصلها لإنشاء الدعاء بالحياة؛ وذلك مشعر بأن حياة المدعو له نافعة مرغوب فيها، كما قال النابغة:
فإن تحيا لا أملل حياتي وإن تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل
فإذا نقل إلى إنشاء التعظيم كان مشعراً بأنه تعظيم من الدُّون إلى الأعلى، ففيه مناسبة للعظمة الإلهية لا سيما بعد قرنه بلام الاستحقاق، فصار بمنزلة صيغة الحمد التي أُمرنا بها، وهي «الحمد لله».
* * *
باب التسليم والاستئذان ثلاثاً
فيه قول أُبَيَّ بن كعب لأبي موسى الأشعري [٨: ٦٧، ١٦]:
(والله لا يقومُ معكَ إلا أصغرُ القوم).
أراد بذلك إنباء عمر بن الخطاب بشهرة حديث الاستئذان ثلاثاً، وإلا رجع شهرة