الظاهرية بإبطال ما زاد على الثلث، ولو أجازه الورثة، خطاً بيِّناً.
واعلم أنه قد أقيم النظام البشري على اعتبار أواصر كثيرة: أعلاها آصرة القرابة والزوجية؛ فلذلك اعتبارها الإسلام موجباً لانتقال مال الميت بعده تأكيداً لتلك الآصرة. والإشراف على الموت يشرف بالمال على مصيره حقاً للأقارب. وقد ترك الله منه حقاً لربه أن يوصي به لمن يشاء، وحدده بأن لا يكون مُضاراً، فجمعت السنة بين الحقين وأبقت حق الوصية محترماً؛ فلذلك لم تجز الوصية للوارث، وجعلت حق القرابة محترماً، فلم تجز وصية بأكثر من الثلث.
(وَقدْ قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إيَّاكم والظنَّ فإنَّ الظَّنأكْذبُ الْحديثِ»).
وهو صدر حديث رواه مالك في الموطأ، وأسنده البخاري عنه في كتاب الأدب [٨: ٢٣، ١٢]، وهو أصل عظيم.
والمراد بالظن، المحذر منه، الظن الذي لا دليل عليه. والبخاري كغيره، من الذين جعلوا الأثر هو الأصل الأول في الفقه، يرون أن الظن الذي يعضده الكتاب أو السنة لا يحتج به؛ لأنه عرضة للخطأ، فلذلك جعل هذا الحديث أصلاً رد به على أبي حنيفة في استدلاله بالاستحسان كما هنا، وفي مواضع أخرى تأتي في أبواب هذا الجامع.
فمقصده من ذكر هذا الحديث هنا الرد على ما حكاه عنه بقوله [٤: ٥، ١٤]: «ثُمَّ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: يَجُوزُ إِقرَارُهُ بِالْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ»، أي أثبت تفرقة فيما تسلط عليه الإقرار لا دليل عليها من السنة، وليس مراد البخاري الرد على قول أبي حنيفة:«لا يجوز إقرار المريض بالدين للوارث لسوء الظن بالمقر»؛ لأن سوء الظن إذا كان بمعنى التهمة، كما أراده أبو حنيفة، يبعد أن يكون دليلاً، فقد قال به كثير من العلماء في مواضع، وفي مقدمتهم مالك بن أنس في هذا الباب