الجحفة بأن يكون إسلامه في الزمن الذي وُعِك فيه أبو بكر وبلال.
أو أن الحُمَّى التي أصابت الأعرابي ليست هي الحُمَّى المستوبئة التي كانت في المدينة قبل الهجرة بل هي حُمَّى مرضٍ توهمها الأعرابي أنها حُمَّى المدينة.
أو ظن أنه وَخِم من سكني الحضر؛ فلذلك استقال النبي بيعته، وهي البيعة المتضمنة الهجرة، فَرَام الرجوع إلى وطنه من دون كفر، وتكون إباية الرسول - صلى الله عليه وسلم - من إقالته من أجل علمه أن الحُمَّى التي أصابته ليست من جراء سكنى المدينة أو من أجل أن الهجرة كانت شرطًا في الإسلام قبل فتح مكة إلا للأعراب النازلين حوالي المدينة؛ مثل مزينة وجُهينة وغفار وأسلم؛ ولذلك لم يقل الراوي: إن الأعرابي قد ارتدَّ بل اقتصر على كونه خرج من المدينة، ولم يقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شأنه إلا أن المدينة تنفي خَبثها، ولم يعبه بكفر فلعله بقي مؤمنًا غير متشبع من الإيمان مثل كثير من ضعفاء المؤمنين الذين يصفهم القرآن بأن في قلوبهم مرضًا، وهم الذين نزل فيهم قوله تعالى:{إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ} الآية.
ويحتمل أن يكون الأعرابي تشاءم بالإسلام على عادتهم في الجاهلية من التشاؤم بالمقارنات، فيكون المراد من الاستقالة الرجوع عن الإسلام، وهو ظاهر قوله في الرواية:«أنه بايع رسول الله على الإسلام».
وهذا الاحتمال هو الأظهر عندي؛ لأنه لو كان إنما كره المقام بالمدينة؛ لأنه استوخمها لأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخروج إلى البادية كما أذن للعِرْنيين؛ إلا أن يكون ذلك الزمن لم تكن فيه بادية مسلمون بأن يكون صدر أيام الهجرة.
[باب الاستخلاف]
وقع فيه قول عمر [١٠٠: ٩، ١٦]:
(لا أتحمَّلها حيًّا ولا ميِّتًا).
كذا في رواية أبي ذرٍّ بزيادة (لا) النافية قبل قوله: (ميتًا) وسقطت (لا) من رواية الجميع. ولا وجه لزيادة (لا)؛ لأن زيادتها تقتضي أنه لا يتحمل عهدة الخلافة في الحياة ولا يتحملها بعد الممات، وليس ذلك بمراده، وإنما مراده أنه لا يتحملها في الحالتين وأنه يكفي أنه تحملها حيًّا فلا يتحملها بالاستخلاف، فيكون تقصير الخليفة بعده محمولًا عليه.