للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الصلح]

[باب كيف يكتب: هذا ما صالح فلان .... إلخ]

فيه قوله في حديث البراء بن عازب [٣: ٢٤٢، ٦]:

«فلما دخلها ومضى الأجل أتوا علياً فقالوا: قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل».

أي فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة معتمراً ومضت ثلاثة الأيام المشترطة على المسلمين، أي أصبحوا في اليوم الرابع، ولم يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بالخروج. وفي ذلك سرٌّ دقيق من أسرار الوفاء بحقوق الله. فإن المشركين منعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إقامة أكثر من ثلاثة أيام ظلماً منهم، إذ لا حق لهم في المسجد الحرام، وما كانوا أولياءه؛ ولذلك قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ .... } [البقرة: ١١٤]. فلما التزم لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما اشترطوا عليه كان التزامه من ارتكاب أخف الضررين؛ كيلا يمنعوه من دخول مكة بتاتاً. ولما كان ذلك الشرط إنما لزمه لأجل اشتراط المشركين عليه لم يكن من أداء حق الله تعالى في الدفاع عن الحق المغصوب أن يبدأ بالخروج قبل أن يأمروه به، لجواز أن تسمح نفوسهم بزيادة بقائه، فيكون في بقائه زيادة من العبادة والتمتع بالحق المسلوب. وليس في تأخيره الخروج إبطال للعهد؛ لأنهم لما أمروه الخروج لم يمتنع منه.

وهذا العمل أصل عظيم للمسلم في تبرئة ذمته من التقصير في الأمور الدينية بقدر الإمكان والاستطاعة، فتلك معذرة إلى الله تعالى.

وبهذا نعلم أن من فسر قوله: «ومضى الأجل» بمعنى قرب مضيه لئلا يلزم عدم الوفاء بالشرط، فد أخطأ فهماً ونظراً؛ أما الفهم فلأن قوله: «قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل» صريح في أنه مضى الفعل، أو ما كان لهم أن يقولوا له: «اخرج عنا» قبل مضيه. وأما النظر فلتعليله المغفول فيه كما بيناه.

* * *

<<  <   >  >>