وينافي هذا المحمل قول الراوي:«فلما تفرق الناس خطب معاوية فقال ... » إلخ؛ لأنه لم يتم لمعاوية الأمر يوم التحكيم، والذي يناسب أن يكون قول ابن عمر:«فحللت حبوتي وهممت أن أقول له» أن يكون ذلك وقع في سنة ورود معاوية المدينة سنة ست وخمسين. فقد ذكر ابن الأثير في الكامل أن معاوية أرسل إلى معظم الصحابة بالمدينة ليحضروا عنده. فلعله لم يرسل إلى ابن عمر فذلك معنى قوله:«فلم يجعل لي من الأمر شيء»، ومعنى قول حفصة له:«الحق بهم فإنهم ينتظرونك».
لكن يعكر على هذا أن وفاة حفصة - رضي الله عنه - كانت سنة خمس وأربعين، وقيل: سنة إحدى وأربعين، أي قبل سنة ورود معاوية المدينة. فيحتمل أن ما جرى بين حفصة وأخيها وقع في صفين يوم التحكيم فإن ابن عمر حضر يومئذ كما في ابن الأثير، وذلك سنة سبع وثلاثين من الهجرة؛ وأن أقول ابن عمر:«فحللت حبوتي وهممت أن أقول ... » إلخ، وقع عام ستة وخمسين بعد وفاة حفصة. فيظهر أن راوي هذا الخبر خلط بين خبرين أو خلط رواية راويين، وأن البخاري ساق رواية الخبر كما سمعها؛ لأن مقصده من تخريجه هذا الخبر هنا ما فيه من فضيلة ابن عمر - رضي الله عنه -، فإن الشارح العيني قال:«إن ذكر هذا الخبر هنا لا مناسبة له وهو استطراد».
وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري [٨: ٤٠٧] عن ابن الجوزي في كشف المشكل: «إن قول ابن عمر: «ولم يجعل لي من الأمر شيء» حكاية الحال التي جرت قبل حين جعل عمر الأمر شورى ولم يجعل لابنه من الأمر شيئًا، وأن أقوله:«فلما تفرق الناس خطب معاوية .... » إلخ. كان هذا لما أراد معاوية أن يجعل ابنه يزيد وليًا للعهد». وهو كلام وجيه وإن كان ابن حجر استبعده.
* * *
[باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب]
فيه حديث أنس [٥: ١٤٣، ٨] قال: (كان الرجل يجعل للنبي - صلى الله عليه وسلم - النخلات حتى افتتح قريظة والنضير وإن أهلي أمروني أن آتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسأله الذين كانوا أعطوه أو بعضه وكان النبي قد أعطاه أم أيمن) الحديث.