(دخلت على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنا ورجلان من قومي فقال أحد الرَّجلين: أمِّرنا يا رسول الله، وقال الآخر مثله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّا لا نولِّي هذا من سأله ولا من حرص عليه»).
هذا الحديث تقدم في أول كتاب الإجارة وأخرتُ الكلام عليه إلى هذا الباب؛ لأنه به أنسب.
اعلم أن الظاهر أن مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله:«إنا لا نولِّي هذا مَنْ سأله» وفي رواية: «إنا لا نستعمل على عملنا من أراده» - أنه لا يجيب من سأل الولاية حيث لا تكون فيه أهلية لها؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمن يصلح للولاية فسؤاله إياها إحراج له؛ لأنه كان لا يحب ردَّ السائل، فلذلك أعلمهم أن ردَّ مثل هذا السؤال لا ينافي السماحة، وأن الإجابة إلى ذلك ليست من السماحة والكرم؛ لأنه إن كان السائل غير أهل كان في إجابة سؤاله ضرر على الرغبة، وليس إعطاء مصالح المسلمين من السخاء، ولا أظن الرسول -عليه الصلاة والسلام - أراد أن سؤال الإمارة موجب للحرمان منها ولو كان السائل أهلًا؛ إذ لا وجه لحرمان المستحق، كما لا وجه لإعطاء غير المستحق، فإن المرء قد يسأل الولاية لعلمه أنه مضطلع بها وقادر على إجراء مصالح الأمة وإعانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وقد سأل يوسف عليه السلام الولاية بقوله:{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}. ولأن المستحق قد يسأل الولاية للانتفاع بما فيها من الرزق المعين المأذون فيه شرعًا في نحو قوله تعالى:{والْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}.
وبهذا تعلم أن ليس سؤال الولاية بجرحة ولا تهمة كما ظنه بعض المتفقهين أخذًا من ظاهر هذا الحديث، وقد سأل أبو ذرٍّ من النبي - صلى الله عليه وسلم - الإمارة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن فيك ضعفًا» ولم ينهَهُ عن سؤالها. أخرجه مسلم في صحيحه.
وأخرج المصنف في باب قول النبي عليه السلام للأنصار:«اصبروا» عن أسيد بن