(فنام النبي فلما كان بعض الليل قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ وضوءًا خفيفاً، يخففه عمرو ويقلله جدًا).
لا شك أن وصف الخفيف من كلام ابن عباس، وأن قوله:«يخففه عمر ويقلله» أن عمرًا يحكي هيئة ابن عباس حين وصف الوضوء بالخفة، فقرن وصفه بإشارة باليد أو الوجه إلى أنه خفيف بدون إطلاق الخفة على وجه المبالغة.
ومعنى كونه خفيفاً يحتمل أنه تجديد لوضوء لم ينتقض؛ لأن نوم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا ينقض وضوؤه؛ فيكون التجديد لأجل النوم، كما قال مالك في الذي تمرُّ يده على ذكره عند تدلُّك الغسل: إنه يمرُّ بيديه على مواضع الوضوء بالماء. ويؤيد هذا قول عمرو بن دينار عقبه [١: ٤٧، ٨]: «إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه ولا ينام قلبه وأن رؤيا الأنبياء وحي».
ويحتمل أن ابن عباس أراد أن وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مبالغًا فيه، كما يفعل الناس من كثرة تعمُّقهم، كما جاء في حديث جابر في كتاب الغسل لمَّا استفتاه رجل في مقدار ماء الغسل؛ فقال جابر [١: ٧٢، ١٩]: «يكفيك صاغ، فقال رجل: ما يكفيني، إني رجل كثير الشعر، فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعراً وخير منك». فكانوا يسرفون في الماء وكثرة الدلك. فيكون ابن عباس أو عمرو بن دينار أراد التعريض بهم.
ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قولُ ابن عباس في رواية كريب عنه هذا الحديث الآتي في باب قراءة القرآن بعد الحديث: أن ابن عباس قال [١: ٥٧، ٨]: فتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحسن الوضوء. وهذا الاحتمال الثاني هو الأظهر عندي.