للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشتق من الطَّعْم -بفتح فسكون - وهو ما يدركه الذوق في الشيء الذي يمرُّ على اللسان، يقال: هذا العسل فيه طَعْم العرفط، أي صار ذوقه كذوق العرفط، ومنه قولهم: تغير طعم الماء.

باب «من أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ»

[١٣٢: ٨، ١٠] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

(«من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه»).

هو قضية كلية لافتتاحه بأداة من أدوات العموم، وهي «مَنْ» الموصولة، ولعلَّ هذا الكلام صدر من رسول الله عليه السلام: إما في مقام ترغيب في الجهاد؛ لأن الجهاد أظهر الأحوال لمحبة العبد لقاء الله تعالى إذا خرج للجهاد غير عابئ بالموت في سبيله مثل أنس ابن النضر حين قال يوم أحد [٢٣: ٤، ١٢]: (إني لأجد ريحَ الجنة دون أحد).

وإما في مقام تعليم أمارات الإيمان الكامل من المؤمن حتى يكون رغبته في الحياة الآخرة أشد من رغبته في البقاء في الدنيا، فيكون غير جازع من حلول الموت وقت حلوله، للتفرقة بين حال المؤمنين الكاملين ومن يلحق بهم من المؤمنين على تفاوتهم في مراتب اليقين، وبين حال المشركين والمنافقين، كما قال تعالى في نظير هذا: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، فالأمر بتمنِّي الموت استدلال على مقدار محبة لقاء الله.

فتبين أن كلية الحديث تندرج تحتها صور.

وأما قول عائشة: «إنا لنكره الموت» فهو شبيه باستفسار على نقض القضية الكلية، أي هل تعَدُّ كراهة الأحياء الموت المرتكزة في الطبع منافية لمحبة المؤمن لقاء الله، وجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان لعدم المنافاة، وأن المؤمن لابد أن يختم له بما يقتضي محبته لقاء الله.

وليس الجواب مقصوداً به اقتصار الخبر على هذه الصورة خاصة، كما وقع في أوهام كثيرين، فأثيرت لهم إشكالات من جهة أصل فائدة هذه الأخبار، أي أن يكون هذا الحديث من أصله غير مرتب عليه عمل؛ إذ يرجع إلى أحوال مغيبة تحصل عند الموت، وسياق الحديث يقتضي أن يكون القصد منه ترغيبًا وترهيبًا.

<<  <   >  >>