للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[باب يزفون ... إلخ]

فيه قول ابن عباس [٤: ١٧٢، ١٩]:

«أوَّل ما تخذ النَّساء المنطق من قبل أمَّ إسماعيل اتَّخذت منطقًا لتُعفَّي أثرها على سارَّة».

المنطق -بكسر الميم وفتح الطاء- إزار غليظ تشده المرأة على نصفها الأسفل، وتربط عليه بحبل إذا قصدت الخدمة؛ كيلا يتسخ أسفل درعها أو قميصها أو إزارها، فهو من شعار الإماء ومن لباس الحرائر عند الخدمة. قال الخطيب القزويني مترجمًا بيتًا من الفارسية:

لو لم تكن نية الجوزاء خدمته ... لما رأيت عليها عقد منتطق

ولذلك قال رجل لابن الزبير: «يا ابن ذات النطاق» يظنها نبزًا، بأن أمة كانت مثل الخدم.

وقوله: «أول ما اتخذ النساء» يعني نساء العرب. وقوله: «لتعفي أثرها» أي شدت النطاق لتري مولاتها أنها تريد الخدمة، حتى إذا خرجت مهاجرة أرخته تجره على إثرها ليخفى أثرها على سارة، فلا تهتدي إلى مسلكها ولا تعرف أن تفتش عليها. وإنما يكون ذلك في الرمال الدقيقة، كقول امرئ القيس:

خرجت بها نمشي تجر وراءنا ... على إثرينا ذيل مرط مرحل

وقال عبد بني الحسحاس:

فعفي بآثار الثياب ببيتنا ... وتلقط رضا من جمان تحطما

وهذا الكلام يدل على أن هاجر خرجت خفية من مولاتها. وظاهرة التوراة أنها بعد أن خرجت خفية تعرض لها ملك فأمرها بأن ترجع إلى مولاتها وتسترضيها؛ ولكن التوراة لم تذكر ما كان بعد ذلك سوى ولادة إسماعيل - عليه السلام -.

والظاهر أن خروجها كان جهرة، وإلا فكيف خرج معها إبراهيم حتى بلغ الحجاز؛ ولذلك فسر الشارح الكرماني قوله: «لتعفي أثرها»: «أنها شدت عليها المنطق إظهارًا لخدمتها لتستميل خاطرها. يقال: عفي على ما كان منه، إذا أصلح ما فسد» أهـ. وهو شرح حسن، أي أن هاجر لم تتطاول على مولاتها مثل ضرة ولكنها لزمت حالة الإماء. وهذا يلاقي ما في التوراة من أنها رجعت لتسترضي

<<  <   >  >>