(أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعتمة حتى ناداه عمر: قد نام النساء والصبيان، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال:«ما ينتظرها أحدغيركم من أهل الأرض». وفي رواية:«ليس أحد يصلي هذه الصلاة غيركم ولم يكن أحد يومئذ يصلي غير أهل المدينة»).
أقول: زيادة «ولم يكن أحد يومئذ يصلي غير أهل المدينة» أو «ولا يصلي يومئذ إلا بالمدينة»، وفي رواية:«قبل أن يفشوَ الإسلام». هذه العبارة مدرجة في الحديث، ولم يتعرض لشرحها أحد من شارحي صحيح البخاري سوى كلمات للكوراني ولا من شارحي صحيح مسلم. وليست من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. والأظهر أنها ليست من كلام عائشة؛ فإن البخاري خرَّج هذا الحديث في «باب النوم قبل العشاء لمن غُلب» عن أيوب بن سليمان عن أبي بكر عن سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب فجاء فيه [١: ١٤٩، ١١]: «قال: ولا يُصّلى يومئذ إلا بالمدينة» بتذكير فعل (قال)، وذلك يمنع من أن يكون القائل عائشة. ولا التفات إلى ما تأوَّله القسطلاني بأن المراد: قال الراوي: أي عائشة؛ وإن كان ظاهر رواية البخاري عن يحي بن بُكَير في باب فضل العشاء [١: ١٤٨، ١٤] أنه من كلام عائشة إذا وقع فيه: «وذلك قبل أن يفشو الإسلام» في أثناء الحديث المروي عن عائشة، لكن الإدراج قد يكون في وسط الكلام.
المقصود من كلامنا هذا استبعاد أن يكون هذا الإدراج من قول عائشة؛ فإن فهمها معروف بالإصابة، إذ ليس في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إيهام يقتضي هذا الإدراج إلا أن يكون في رواية «ليس أحد من أهل الأرض يصلَّي هذه الصلاة غيركم»؛ إذا فهم الراوي أن المراد بالصلاة الصلاة من حيث هي صلاة، أو المراد صلاة العشاء من حيث هي عشاء؛ فقصد الراوي دفع هذا الإبهام، فإن أهل الصلاة، أعني المسلمين يومئذ، لا يوجدون في غير المدينة، ولكن ليس هذا مرادَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما أراد أنه ليس يصلي العشاء في تلك الساعة غير الذين معه في المسجد النبوي؛