لأن جميع المسلمين صلوا العشاء في وقتها المعتاد وناموا، كما يفسره قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس عند مسلم:«أِنَّ النَّاسَ قّدْ صَلَّوْا ونَامُوا .... إلخ».
ومعنى الحديث: أنكم انفردتم بصلاة العشاء في تلك الساعة بعد انتظارها زمنًا طويلاً، فكنتم في عبادة لله مستطيلة لا يشارككم فيها غيركم ثم أعقبها أداء صلاة العشاء، وكان تأخيرها لانتظارهم النبي - صلى الله عليه وسلم -. فهم في انتظارهم كانوا في عبادة، ومترقبين عبادة؛ وذلك لأجل عبادة، وهي فضيلة الجماعة، وكونها مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقد انفردوا بتلك الخصَّيصية، وكانت لهم أجور كثيرة لم ينلها غيرهم.
وما كان تأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء إلا لفائدة دينية؛ وهي: إما لتلقي وحي، أو تدبير أمر، أو لقصد إعلامهم بفضيلة ذلك الوقت لولا أنه يشق على الناس. وهذه بشارة لهم وجبر لما لحقهم من المشقة في الانتظار على عمل خاص بهم؛ فلا حاجة إلى قول الراوي:«ولم يكن أحد يصلَّي غير أهل المدينة». والخطاب للحاضرين بالمسجد النبوي، وبذلك يندفع ما عرض من إشكال من أن في مكة المستضعفين من المسلمين، وكانوا يصلون بمكة. ومعلوم أن هذه البشارة لا تشمل جميع أهل المدينة ممن كانوا صلوا في مسجد قباء وفي بيوتهم.
على أن أبا موسى الأشعري روى هذه القصة، وذلك بعد رجوعه من الحبشة، هو وأهل سفينته. وقد وافق رجوعه فتح خيبر، وقد انتشر الإسلام يومئذ في المدينة وما حولها من قبائل الأعراب، وفي المهاجرين بالحبشة. وذلك يبطل قول الراوي في حديث عائشة:«ولم يكن أحدٌ يومئذ يصلَّي غير أهل المدينة» فهذا إدراج لا داعي إليه.