يظهر من هذه الترجمة أن البخاري استخلص من قول سعد بن عُبادة [٢١٥: ٨، ١٠]:
(لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسَّيف غير مصفحٍ).
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير منِّي» - أن الذي يجد رجلًا يزني بامرأته له أن يقتله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصرح بالإنكار على سعد؛ ولعل البخاري يتأول ظاهر القصة بأن تلك حالة لا يملك المرء فيها نفسه من شدة الغيرة، وقد جرت عادة العرب في مثل ذلك أن ينتقموا من الرجل الزاني دون المرأة.
والأحسن أن لا ننسب للبخاري فقهًا في هذه الترجمة، وأنه ساقها لمجرد النظر فيما استخرج منها من الفقه للناظر، وأن الحق أنه ليس في الحديث دليل للإذن في القتل، وأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لأنَا أغيرُ منه واللهُ أغيرُ مِنِّي» إبطال لقول سعد أنه يقتله؛ لأن الله الذي هو أغير لم يأذن له في ذلك، فقد قال تعالى:{والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} الآية. وذلك لدفع حد القذف فيما لا يرى أن يلزم الإشهاد لتوجه الرجم أو الجلد على الزاني.
وقوله:«لأنا أغير منه» معناه: وقد جئت مخبرًا عن حكم الله بخلافه، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - سكت عن حكم ما فرضه سعد ولا يُعَدُّ ذلك من التقرير؛ لأن التقرير المعتبر حجة هو تقرير الواقعات لا المفروضات؛ لأن للمفروض حكمه عند وقوعه، والأحكام غير مجهولة.
واعلم أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أتعجبون من غيرة سعد؟ » استفهام إنكار للتعجب الذي هو بمعنى الإعجاب، أي أيعجبكم قول سعد فتعجبون منه عجب استحسان؟ ولا ينبغي لكم ذلك؛ لأنه من شؤون الجاهلية.
وأن قوله:«لأنَا أغْير منه والله أغيرُ مني» بيان لفساد غيرة سعد فإنها غيرة مشوبة بتهور واعتداء. وأما غيرة الله وغيرة رسوله فهي غيرة معصومة من شائبة العدوان، وقد روي هذا الحديث مطولًا في سنن أبي داود بما يزيد هذا المعنى تقريرًا.
ثم بعد كتابتي هذا بسنين رأيت في كتاب ابن المواز عن ابن وهب عن يحيى ابن أيوب عن عمر مولى ... أن سعد بن عبادة قال عند رسول الله وذكر النساء: (والله لو وجدتُ مع امرأتي رجلًا ما فرقت بينهما إلا بالسيف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: