ولا يكون بكلتيهما، فكان السبب الموجب لاستحقاق السلب مشكوكاً فيه، فتعذر إعماله كما في الشك في سبب الميراث، فيمن ماتوا بهدم أو غرق، فتساقط السببان معاً. وإنما لم يقسم السلب بينهما؛ إذ ليس هذا تكافؤ البينتين عند التحقيق؛ ولأنه لم يكن من المعهود في الحرب قسمة سلب القتيل بين اثنين؛ ولأن قطع السليب غير متساوية القيمة فيتعذر قسمها. فجعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحدهما بمجرد اجتهاده. وهو ما تأوله مالك رحمه الله؛ ولذلك جزم بأن النفل من الخمس وإنما يعطي باجتهاده أمير الجيش. وجعل السلب من النفل وهو التأويل الصحيح، وما عداه من الوجوه التي فرضوها تعسفات، فليت العلماء اقتصروا على الجادة.
* * *
[باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم]
وقع في حديث أنس - رضي الله عنه - قوله [٤: ١١٥، ٢]:
(فقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - للأنصار:«إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْا اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْحَوْضِ». قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ).
لما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضى الأنصار على أن أعطى رجالاً من قريش من فيء هوزان بعد أن عتب فريق من حدثاء الأسنان من الأنصار، ثم فاؤوا إلى الرشد والأدب مع الله ورسوله والرضى بما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وذلك من صدق إيمانهم وإخلاص نصرتهم لله ورسوله ودينه دون طمع في نفع دنيوي يلحقهم من ذلك، أراد أن يوصيهم بالدوام على مثل هذا الصبر فيما يقضيه الله ورسوله في أثرة سيلقونها بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتشبه هذه الأثرة التي لقوها في حياته.
والأظهر أن رسول الله أشار إلى الخلافة من بعده، فالأثرة المذكورة في كلامه هي أثرة حقه، وليست من الباطل؛ لأن كون الخلافة في قريش أمر دلت عليه أدلة شرعية هي التي راعاها أبو بكر وعمر يوم السقيفة، فالصبر المأمور به صبرٌ له دخل في الوفاء للدين والإخلاص لله ولرسوله.
والدليل على ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماها «أثرة»، ولم يذكر معها ما ينكر عليها ولا ما يصمها بأنها ظلم أو جور، كما دل عليه ذكرها بمناسبة نظيرتها هذه، فالصبر المأمور به واجب، وقد رجوا بذلك يوم السقيفة - رضي الله عنهم -.