إلى قوله:{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وهُوَ واقِعٌ بِهِمْ}. ثم قال:{قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} إلى قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}. فكان من إعذار الله إلى المشركين أن نبَّههم إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يطلب منهم نفعاً لنفسه إلا أن يودوه لأجل قرابته من بطون قريش ومن حولهم. وذلك من دأبهم فقد دعاهم إلى ما يعرفون، أي لا أسألكم إلا المسالمة وترك الأذى فالمراد بالمودة ترك ضدها.
ولو كان المراد مودة المؤمنين لآل النبي لسمج الكلام؛ لأن المؤمنين لا يظن بهم أن يتوهموا أن النبي يرجو منهم نفعاً، فإن كان يرجوه فإنما يرجو أن ينصروا الله ويخلصوا الإيمان.
وأيضاً فإن «القربى» اسم للمعنى الذي به يكون القريب قريباً، فالمودة لأجلها.
ولما لم تضف «القربى» إلى ما يعين نسبتها تعين أن المراد الجنس الذي بين المتكلم والمخاطب. وأما لو كان المراد قربى الرسول، أي أهل قرابته، أي أقاربه، فلا يحسن جلب حرف (في)؛ لأن القريب مودود لا مودود لأجله.
* * *
باب {ونَادَوْا يَا مَالِك}
فيه حديث يَعْلى بن أمية [٦: ١٦٣، ٩]:
(سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ {ونَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّك}).
مراده بهذا الحديث توهين قراءة من قرأ (نَادَوْا يَا مَال) بالترخيم وهي قراءة علي وابن مسعود. فأراد يعلى بن أمية توهينها من جهة السند.
وكان ابن عباس ردَّها أيضاً من جهة المعنى، فقال: ما كان أغنى أهل النار عن الترخيم، يعني أن الترخيم تفنُّن وتلطف في الكلام، والذين في النار في النار هم في شاغل عظيم عنه. واعلم أن كلا الأمرين لا يردُّ صحة القراءة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يقرأ بالقراءتين وبأكثر، كما جاء في حديث اختلاف عمر مع هشام بن حكيم في سورة الفرقان، واختلاف أُبَيِّ بن كعب مع عبد الله بن مسعود في سورة الحواميم. وصوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كّلاً منهم.
وأما من جهة المعنى فقد يكون مخاطبتهم مالكاً خازن النار بالترخيم تزلُّفاً إليه وترقيقاً له على حالهم.