(قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله عز وجل: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»).
الأذى: المعاملة بما يكرهه المعامَل، وهو دون الضرِّ، مثل العجرفة وسوء الأدب. فمعنى «يؤذيني ابن آدم» يسيء الأدب الذي تقتضيه الربوبية؛ إذ يعتقد أن الدهر، وهو الزمان، متصرف في حوادث العالم. فإذا لاقى من أحداث العالم ما لا يلائمه سبَّ الدهر غضباً.
وليس يريد من يسب الدهر أنه يسبُّ الله تعالى وإلا لكان سبُّه أشدَّ من الأذى فموقع جملة «يسبُّ الدهر» موقع الاستئناف البياني لأذى ابن آدم ربه؛ لأن الإخبار عن ابن آدم بأنه يؤذي الله خبر غريب يثير في نفس السامع تساؤلاً عن هذا الأذى.
والظاهر أن المراد بابن آدم ما يشمل المسلمين، إذ يقول أحدهم:«يا خيبة الدهر» مثلاً، فكان هذا الحديث القدسي تعليماً للمسلمين وتربية لهم. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» رواه البخاري [٨: ٥١، ١١] ومسلم. وعنه:«لا تقولوا: يا خيبة الدهر» رواه مسلم.
ويجوز أن يكون معنى «يؤذيني» أنه يسب الدهر. وذلك يؤول إلى السخط على تصرف الله. فإذا تأمل فيه المتأمل وجد الدهر ليس شيئاً موجوداً فشعر بأنه سبَّ المتصرف الحقيقي في العالم.
وإنما كان هذا أذى لله ولم يكن سبّاً له؛ لأن سبَّ الدهر السبب دال بالمطابقة على غير الله. وإنما دلالته على الجرأة على الله بالالتزام غير البين، فكان بذلك أذى وعجرفة.
ومعنى «وأنا الدهر» وأنا فاعل ما نسبه ابن آدم إلى الدهر، وهذا تنبيه على لازم قول الناس: خيبة للدهر، ونحوه، وجملة «بيدي الأمر» مبينة لجملة «وأنا الدهر».
وجملة «أقلب الليل والنهار» بدل من جملة «بيدي الأمر» بدل بعض من كلٍّ؛ لأن تقليب الليل والنهار من أعظم أحوال هذا العالم.