عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: (جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عما يلتقطه، فقال:«عرفها سنة ثم احفظ عفاصها ووكاءها فإن جاء أحدٌ يخبرك بها وإلا فاستنفقها»، قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال:«لك أو لأخيك أو للذئب»، قال: ضالة الإبل؟ فتمعر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:«ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها ربها».
الظاهر أن الأعرابي هو أبو ضبيب- بضم الضاد المعجمة- البلوى، من الذين جاؤوا النبي - صلى الله عليه وسلم - مع وفد بلي، فقد ذكر أهل السير أن أبا ضبيب هذا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ضالة الغنم وضالة الإبل، ولم يذكروا أنه سأله عن اللقطة، فاستفيدت زيادة اللقطة من هذا الحديث.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» إذنٌ له بأخذها، أي إن لم تأخذها أنت ولم يأخذها رجل آخر أكلها الذئب في الليل، أي: وليس غيرك بأولى منك بأخذها، فخذها، فسلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صيغة الإذن له طريق الاستدلال على وجه لإذن له بأخذها وجاء فيه طريق الكناية مع ضرب من المحاجاة على طريقة العرب في أجوبتهم، وخاصة أهل البادية فإنهم مولعون بمثل هذه الطريقة في محاجاتهم ومحادثاتهم.
فالمراد بالأخ في قوله:«أو لأخيك» المماثل، أي في الإنسانية أو في كونه من أهل قبيلته؛ لأن الضالة إنما تكون حول ديار القوم ومراعيهم، وقريب منه قولهم: يا أخا العرب.
وقوله:«فتمعر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»، أي تغير لونه إلى الحمرة من الغضب، كما دل على ذلك في رواية سفيان هذا الحديث في باب: إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة [٣: ١٦٤، ١٨]: «فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى احمرت وجنتاه أو احمر وجهه».
ولم يبين الشارحون سبب غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسؤال السائل.