أي على أن (ما) استفهامية وقف عليها، فحذفت ألفها لكونها – أي (ما) – مركبة من حرف صحيح واحد وألف مَدَّة، فَحَذْف هذه الألف في الوقف وتعويضها بهاء أجدر فيها منه في حالة جرها باسم مضاف إليها، لاشتراك الحالين في عدم اتصال حرف بـ (ما) مع عدم اقتضاء عامل لها في هذه الحالة، وهذا لم يذكره النحاة وهو مهمٌّ.
* * *
[باب فضل ذكر الله تعالى]
وقع فيه حديث أبي هريرة قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه [٨: ١٠٨، ١٣]:
«هُمْ الجُلساء لا يشقى بهمْ جليسُهُمْ».
أي لا يكون جليسهم دونهم؛ لأن التميز على الجليس في المجلس يؤذيه، فعبر عنه بالشقوة؛ لأن أصل الشقوة أنها ضد السعادة، فهي عدم الإسعاد وعدم الملاءمة.
وقوله:(لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ» تركيب جرى مجرى المثل، هو ونظائره مما فيه فعل الشقاوة، وهو في الأصل أنهم لا يكونون سبباً في تعب جليسهم وإعناته وأذاه؛ لأن أصل الباء بعد فعل (شقي) أن تكون للسببية، كقول الطِّرِمَّاحِ:
وإني شقي بالأنام ولا ترى ... شقيّاً بهم إلا كريم الشمائل
ثم توسع فيها فجعلت الباء لمعنى الملابسة، كما في قوله تعالى:{ولَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًا}، أي لم أكن شقيّاً مع دعائك، أي لم أعهد عدم استجابة دعائي، فالشقاوة في باب الدعاء هي خيبته وعدم استجابته.
وكذلك أصل «لا يشقى بهم جليس» أنهم لا يكونون سبباً في أذاه وشقوته، ثم توسع فيه فصار يطلق بمعنى انتفاع جليسهم بهم على وجه الكناية، بناء على أن السلامة من الأذى إكرام، قال الشاعر:
وكنتُ جليس قعقاع بن شَوْر ... ولا يشقى بقعقاع جليس