قد يشكل قولهما:«قد قال ذلك» مع نزاعهما ومطالبتهما بالميراث، ودفع الإشكال بأنهما قد حصل لهما العلم بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك بخبر عمر، والرهط الذين معه من أصحابه في ذلك المجلس، أو بخبر أولئك أو غيرهم في المجلس الذي كان دفع فيه عمر لهما ما تركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنهما إنما جاءا في هذا المجلس الأخير متنازعين في كيفية التصرف. ويؤيد ذلك ما جاء في آخر كلام عمر من قوله:«وأنتما حينئذ تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا» أي تنسبانه إلى الخطأ في الاجتهاد في منعكما؛ مما يدل على أن ذلك زال من اعتقاد علي وعباس - رضي الله عنه -.
* * *
[باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها]
فيه حديث عائشة - رضي الله عنه -[٧: ٨٤، ٢]:
(جاءت هند بنتُ عُتبة فقالت: يا رسول اللهِ، إنَّ أبا سُفيان رجلٌ مسِّيكٌ فهل عليَّ حرجٌ أن أُطعم من الَّذي لهُ عيالنا؟ قال:«لا، إلاَّ بالمعروف»).
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا» أي لا تطعمي، بدليل قوله:«إلا بالمعروف»، والمعروف هو ما يحمله مثل مال أبي سفيان من الإنفاق على مثل عياله ووقع في بعض الروايات أنها قالت:«بدون إذنه».
ووجه إذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها بالإنفاق دون علم أبي سفيان أن الإنفاق المعروف واجب عليه لعياله، فليس له منعهم منه، وأنه لشدة شُحِّه لو توقفوا على إذنه لما أذنهم، ولو شَكوْه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل حاجة لشق ذلك عليهم، ولَحَدَث بذلك بينه وبينهم شنآن.
ووجه منعه إياها من تجاوز المعروف أن ما زاد على المعروف لا حقَّ لها ولا لعيالها فيه إلا برضا صاحبه.
وقد أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة مقام الوكيل على أبنائها وعيال بيتها؛ لأنها راعية المنزل، فهو لها رخصة.
وبهذا تعلم أن ما رخًّصَهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند هو تشريع يعمُّ أمثالها من أزواج الأشحة؛ لأن قوله لها فتوى وتشريع، وهو الأصل فيما يصدر من الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن ظن أنه قضاء على الغائب فقال: إنه لا يشمل غيرها إلا بعد الرفع إلى