فيه حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهم -[٥: ٥١، ٩]:
(لما بنيت الكعبة ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعباس ينقلان الحجارة، فقال عباس للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اجعل إزارك على رقبتك يقيك من الحجارة فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء، ثم أفاق فقال:«إزاري إزاري» فشد عليه إزاره).
أراد: فخر إلى الأرض كالمغمى عليه، بدليل قوله عقبه:«ثم أفاق». وكان ذلك الإغماء حفظًا إلهيًا. وألهم محمد - صلى الله عليه وسلم - عند الإفاقة إلى أن سببه هو انكشاف العورة، فلذلك قال:«إزاري إزاري».
ويحتمل أنه أخذ بإشارة عمه، استحياء من عمه فعرض له عارض استحياء من انكشاف عورته حتى أغمي عليه من شدة الخجل؛ فلذلك قال:«إزاري إزاري» ليعلم عمه أن ما عرض له كان من الحياء، فلا يعيد عليه الأمر بجعل إزاره على رقبته.
وعلى كلا الاحتمالين فقد حصل الحفظ الإلهي من انكشاف العورة. وذلك إن لم يكن في الجاهلية نقيصة ولا كان يومئذ شرع، فإن الله حفظه منه، كيلا يراه أحد على تلك الحالة التي هي ليست أكمل أحوال أهل المروءة، حتى لا يرمقه أحد من قومه بعد بعثته بما يذكره ذلك المنظر الأدنى. لاسيما وأنه سيكون كشف العورة محرمًا في الدين الذي سيبعث به، فلا يقول أحد من أعدائه: إنه قد كان كشف عورته يوم كذا، ولا يجد أحد من أتباعه ممن شهده يومئذ في نفسه بعد إسلامه مخيلة ذلكالمشهد.
وقد ظهر من هذا أن الإغماء اعتراه بمجرد وضع إزاره على رقبته قبل أن يراه أحد والله أعلم.
* * *
[باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه]
من المشركين بمكة
فيه قول سعيد بن جبير [٥: ٥٧، ١٦]:
(أمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين ما أمرهما؟ :