اليهود. فقال له: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. ثم لقي عالمًا من النصارى، فقال له: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله).
لا شك أن عبد الله بن عمر تلقى ذلك ممن يأثره عن زيد بن عمرو بن نفنل، فإن زيدًا كان صهرًا لعمر بن الخطاب؛ إذ كانت ابنة زيد تحت عمر بن الخطاب، فإذا صح الخبر عن هذين العالمين اليهودي والنصراني فلا أحسب المراد بذلك إلا أن كل دين من دينيهما كان من أصوله رموز لا تفهم يتلقاها أتباعه ساذجًا دون تفهم.
ولعله كان من أصل من اليهود الاعتراف بأن الله غاضب عليهم، وأن سلب ملكهم، وسبيهم، وإخراجهم من الأرض المقدسة، كل ذلك من آثار غضب الله عليهم، وأن من يريد الدخول في دينهم يجب عليه أن يعترف بنصيب من غضب الله ليكون ذلك داعيًا إياه للسعي في التوبة والاستغفار وطلب الرضى من الله إلى يوم الخلاص الذي يزعمونه.
ولعل من أصل النصرانية أيامئذ اعتقاد أن الله لعن الإنسان لأجل خطيئة آدم - عليه السلام - وفي سفر التكوين إيذان بلعنة الأرض من أجل وجود آدم بها، فجعله سبب لعنة.
ويزعم النصارى اليوم أن عيسى - عليه السلام - فدى النوع بنفسه، فصلب لخلاص الخطيئة المكتوبة على الإنسان.
وحين قال زيد لكل واحد منهما:«فهل تدلني على غيره؟ » قال له كلاهما: «ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا» فهو ضرب من ضروب اختلال العقيدة واضطرابها، كما قدمنا في قول اليهود:«إن جبريل عدوهم» فكلا الحبرين أشار على زيد؛ إذ أبي التزام دينه أن يكون حنيفًا، كأنهما يريان أن معاملة الله أتباع الأديان السماوية تختلف باختلاف ما يلتزمه معتنقو الدين، وأنه لا يتعين الحق في واحد.
وهذا يشبه مذهب المصوبة في العقائد الإسلامية، وممن نسب إليه العنبري.
ولعل ذلك لأن اليهودي يرى اليهودية متعينة على بني إسرائيل واختيارية لغيرهم، والنصراني يرى دين المسيح متعينًا على اليهود والذين اتبعوه، واختياريًا لغيرهم؛ فلذلك أرشده كلاهما إلى اتباع الحنيفية إن شاء، ليخرج من الشرك إلى التوحيد، بناء على أنه لما لم يجئه رسول فهو مخير في اتباع أي أديان الحق شاء.