احتفل البخاري بأحاديث التكبير في أركان الصلاة لأجل ما حصل من خلاف بين السلف فيما عدا تكبير الإحرام في وُجوبهٍ وسنيته، وفي إيقاع وعدم إيقاعه. وقد كان من الشائع عن السلف عدم التفرقة في المأمورات بين الوجوب والاستحباب. وقد دلَّ حديث عمران بن حصين المذكور هنا على ذلك إذ قال [١: ١٩٩، ١٣]: «قد ذكرني هذا (يعني عليا صلاة محمد عليه الصلاة والسلم»، فدلَّ على أنَّ بعض التكبير كان قد تهاون به الناس. ولم أظفر بتعيين بعض من كانوا يتركون التكبير في بعض الأركان عدا الإحرام. ولعل منهم من كان لا يرى تكبير الرفع من السجود قياسًا على تركه في الرفع من الركوع.
* * *
[باب التكبير إذا قام من السجود]
جاء فيه أن عكرمة صلى خلف شيخ بمكة صلاة رباعية فكبَّر ثنتين وعشرين تكبيرة، فقال عكرمة لابن عباس [١: ١٩٩، ١٩]: «إِنَّهُ أَحْمَقُ»، فما ذلك إلا لأنه استنكر عليه كثرة التكبير في الصلاة وأن ابن عباس قال له:«ثكلتك أمك سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -».
ولعل عكرمة كان لا يرى التكبير في الرفع من السجود، بناءٌ على أن الرفع من السجود ليس بعبادة؛ لأنه تنبيه للسجود. وبهذا يؤذن صنيع البخاري، إذ ذكر كلام عكرمة تحت ترجمة «التكبير إذا قام من السجود».
تنبيه: قول ابن عباس لعكرمة: «ثكلتك أمك سنة أبي القاسم» زجرٌ له عن جعله التكبير من الحماقة؛ لأنه جهل أنه سنة متروكة، ولم يؤاخذ ابن عباس بأكثر من ذلك؛ لأنه حين أنكر ما أنكر لم يكن يعلم أن ذلك سُنَّة.
وفيه: أن من أنكر عن جهل، وكان من أهل العلم، لا يؤاخذ بلازم قوله من جعل مماثل فعل النبي حُمقًا، فيستتاب، ولكنه يُعَلَّم ويوقف لظهور حسن المقصد.