للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله في حديث عمرة عن عائشة - رضي الله عنهم -[١: ١٨٦، ٣]:

(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير فرأي الناس شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام أناس يصلون بصلاته فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليل الثانية فقام معه أناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثًا حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناس، فقال: «إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل»).

في قوله - صلى الله عليه وسلم - «إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل» إشكال شائع. وهو أنه كيف يكون فرض العبادة تبعًا للمواظبة عليها. وقد أجاب العلماء عنه وعن نظائره بأجوبة غير مطمئنة، والذي أرى في دفعه: أن الله قد ضمن لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يحمل أمته ما فيه عسر بصريح قوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥].

فرسول الله آمن من أن يفرض الله على الأمة عملاً فيه عسر. فالمعنى: أنهم لو واظبوا على قيام الليل لخفَّ عليهم بالتعود فانتفى العسر عنهم فتزول الأمارة التي يطمئن لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في انتفاء الإيجاب، وهي عسر العبادة فخشي أن يفرضها الله عليهم ثم لا يستطيعون استدامتها، أو لا يستطيعها من يأتي بعدهم.

ورواية عمرة عن عائشة قولها: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير».

قولها: «وجدار الحجرة قصير» يعين أن المراد بالحجرة المذكورة في هذا الحديث هي الموضع الذي احتجره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمسجد لصلاة الليل لا حجرة بيته، كما يفسره حديث زيد بن ثابت الموالي لهذا [١: ١٨٦، ١٣]: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ حجرة من حصير في رمضان فصلى فيها ليالي .... » إلخ.

وفي حديث أبي سلمة عن عائشة [١: ١٨٦، ١١]: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجزه بالليل» فتعين أن قوله في حديث عمرة: «في حجرته» الموهم أنها حجرة بيته يفسره ما في حديثي أبي سلمة وزيد بن ثابت. والكلام الذي خاطب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس الذين صلوا بصلاته متماثل في الأحاديث الثلاثة. وذلك يؤيد أن القصة واحدة.

* * *

<<  <   >  >>