ويسمونها عالم الملكوت، قال في «هياكل النور»: «النفوس الناطقة من جوهر الملكوت، وإنما شغلها عن عالمها القوى البدنية ومشاعلتها؛ فإذا قويت النفس الناطقة بالفضائل الروحانية وضعف سلطان القوى الدنية بتقليل الطعام وتكثير السهر (يعني الصيام وقيام الليل) تتخلص أحياناً إلى علم القدس وتتصل بالنفوس الفلكية وبلوازم حركاتها» إلخ.
وفي الحديث:«ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلةٍ في ثلث الليل الأخير .... ».
وأما قوله:«وسلسلت الشياطين» فهو منع مخصوص من بعض الوساوس الشيطانية، فالكلام تمثيل لحال الشياطين في غل أيديها عن كثير من أعمالها بحال المصفود في سلسلة، فإنه لا تنقطع حركته تمامًا، وإنما يذهب نشاطه ومقدرته، فالتمثيل فيه عكس التمثيل في قوله تعالى:{الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة: ٢٧٥].
وإن شئت فاجعل جميع ما في الحديث تمثيلًا مكنياً ينحل إلى ثلاث تمثيلات مكنية، وذلك بأن شبه شأن إكرام الله تعالى الصالحين وقبوله أعمالهم بحال الكريم إذا ورد عليه الضيوف أن يفتح أبواب منزله ويغلق أبواب مواقع الأذى والضرر مثل الرابط ويسلسل كلبه أن ينالهم بنبحه، كما قال النابغة في تمثيل لسانه:
وقد رمز إلى الهيئة المشبه بها بذكر فتح وغلق الأبواب والسلاسل، وهذا التشبيه المركب صالح لمقابلة كل جزء من الهيئة المشبهة بجزء من الهيئة المشبه بها، فالسماوات مشبهة بمنزل الكريم، والشياطين مشبهة بالكلاب، وهذا أحسن التمثيل وهو الذي يصح معه تشبيه أجزاء المركب بأجزاء المركب الآخر، كقوله بشار:
كأن مُثار النَّقْع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبُه
* * *
باب صوم الصبيان [٣: ٤٧، ٢٠]
ظاهر الترجمة وما ذكر فيها إسنادًا وتعليقاً أن البخاري يذهب إلى أن صوم