الإعجاز؛ لأن حكاية القرآن إياه بلفظه تقتضي أنه مساوٍ لما في القرآن من كلام بالغ الطرف الأعلى في البلاغة، فيكون الفرق بين نحو هذا الكلام وبين إعجاز القرآن أن القرآن كل كلام تام منه هو معجز، وأما كلام غير القرآن فقد يقع فيه المعجز في جملة أو جملتين؛ ولذلك كان التحدي بمعارضة أقصر سورة منه لا بمعارضة مطلق كلام منه تام.
ويحتمل أن يكون مراد أنس، أن أبا جهل قال ما يرادف هذا الكلام من كلام خلي عن بلوغ حد الإعجاز، فحكاه القرآن بمعناه بتركيب معجز، كما هو الغالب في حكايات القرآن كلام القائلين من العرب وغيرهم.
كان أهل الجاهلية يحسبون أن الله كواحد من الناس يأنف من المخاطرة والمكافحة، وينزل على تحدي الخصوم كيلا يظهر بمظهر المغلوب، فإذا تحدوه وتخلف ما تحدوه به جعلوا ذلك أمارة لهم على أنهم على الحق. ومنه قولهم:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ١٤٨] فقال الله تعالى: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا}[الأنعام: ١٤٨].
والحقيقة أن الله واسع عليم، وأنه يتحدى الناس ولا يتحدونه، وأن هذا من كفر أهل الجاهلية، وأن من يفعله من المسلمين أو يقاربه فقد جهل وأساء الأدب، وأن تأخير العقاب عن العاصي، وتأخير نزول العذاب بالمعاندين والطغاة لا يدل على أنهم على الحق.
قال الشيخ ابن عطاء الله الاسكندري: خف من دوام إحسانه إليك ودوام إساءتك معه أن يكون ذلك استدراجًا من جهل المريد أن يعصي فيؤخر العقاب عنه فيقول: لو كان هذا معصية لعُجل العقاب، فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ولو لم يكن إلا منه المريد، وقد يقام مُقام البعد من حيث لا يدري ولو لم يكن إلا أن يخليك وما تريد.