وقع فيه نافع عن ابن عمر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -[٤٨: ٩، ٢٠]:
«بينا أنا على بئرٍ» إلى قوله: «فأخذ أبو بكرٍ الدلو فنزع ... وفي نزعه ضعفٌ فغفر الله له».
إن الرؤيا جاءت على حال الرمز عن المعاني بالأعمال المحسوسة، كما هو الغالب في الرؤى. فرُمز بالدلو عن سعة بلاد الإسلام، ورمز بالنزع عن إدارة أمر بلاد الإسلام، وبالشدة والضعف عن مطاوعة البلاد؛ لأن الضعف يأتي من غلبة الدلو لقوة النازع من البئر.
فالمعنى المرموز إليه هو حال مدة خلافة أبي بكر، فإنه أدار أمور المسلمين في حال اضطراب أكثر البلاد وعدم طواعيتها بسبب ردة من ارتدَّ من العرب، فليس في ذلك إثبات ضعف حقيقي لأبي بكر. وكيف وقد أخذ المرتدين بالشدة والقتال، وأرجعهم إلى حظيرة الإسلام؛ ولكن تلك الردة أوجبت اضطراب الأمر في مدته، فلم يتمكن من توسيع البلاد الإسلامية ولا من إقامة نُظُم كثيرة لاشتغاله بالأهم، أو اشتغال المسلمين بالتجهُّز لِقتال المُرْتَدين.
وأما قوله:«فغفر الله له» على هذه الرواية فواضح، أي فلم يؤاخذه الله بالاشتغال عن كثير من تقوية أمر المسلمين؛ لأنه صرف شغله إلى الأهم.
ووقع في رواية همام عن أبي هريرة في هذا الباب [٤٩: ٩، ١٢]: «والله يغفر له» والمعنى واحد.
وصيغت الجملة على تقديم المسند على الخبر الفعلي للاهتمام بصنع الله معه، أي هذا ما صنعه وصنع الله معه أنه غفر له؛ كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} إلى قوله: {واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
ووقع في رواية ابن المسيب عن أبي هريرة في كتاب المناقب من البخاري [٧: ٥، ٥]: «والله يغفر له ضعفه»، والمعنى على نحو ما في رواية همام، إلا أن قوله:«ضعفه» معناه ذلك الضعف الرمزي، وهو اضطراب الأمور، وإضافته إلى أبي بكر لأدنى