(أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر، فقال:«نعم، عذاب القبر حق»، قالت عائشة رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر).
ليس المراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تذكر أمر عذاب القبر من كلام اليهودية، فصار يستعيذ منه بعد ذلك، فأن صدر كلام عائشة اقتضى أن الخوض في أمر عذاب القبر كان سابقاً، وهو سبب دعاء اليهودية لها بالعياذ منه.
وإنما معناه: أن عائشة لم تكن تلاحظ استعاذة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه في دعائه؛ لأنها كانت ذاهلة عن أمره، والغافل قلما توجهت نفسه إلى الأمر المغفول عنه، فلما انتبهت إلهي صارت تشعر بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعياذ منه. إلا ترى أنك إذا عرفت إنسانًا لم تكن تعرفه صار يكثر أن تراه متعرضًا لك في الطريق، لا لأنه صار يتعرض في الطريق ولكنك كنت تعترضه فلا تشعر به.
* * *
[باب ما قيل في أولاد المسلمين]
فيه حديث البراء - رضي الله عنه -[٢: ١٢٥، ٨]:
(قال: لما توفي إبراهيم - عليه السلام - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن له مرضعًا في الجنة»).
لأن إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي صغيرًا، هو رضيع، وإرضاعه في الجنة تقريب لتدريج ورحمه في مدارج الكمال التي كانت تبلغها في الحياة الدنيا لو عاش صاحبها المدة التي تتكامل فيها شمائل أهل الكمال.
ذلك أن الله جعل مرور الأرواح في الأجساد على الحياة الدنيا وسيلة لاكتساب الفضائل أو الرذائل، كما بيَّن «في حكمة الإشراق»، وقد تفضل الله.