أو إلى ما يرجع إلى فهم مغلق أو بيان مجمل أو نحو ذلك، لا فيما طريقه الاجتهاد والرأي، ولا أحسب أن يكون لِمِصْر من أمصار الإسلام هذه المزية الخصوصية.
وأما مكة فقد استمرت بلد كفر إحدى وعشرين سنة منذ مجيء الإسلام، وفارقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون، ثم فتحها الله وطهرها، وقد بارك الله فيها من قبل وردَّها إلى حرمتها من بعد؛ فإن كان في سيرة أهلها بعد الإسلام حجة فتوشك أن تكون مقصورة على تعيين مشاهد ظهور الإسلام فيها، وما لقيه الرسول والمسلمون من أهل الشرك، ومذكرات تذكِّر المسلمين ما دار بينهم وبين المشركين في أمر الدين؛ ففي ذلك مرجع في ظهور أمور الإسلام ومذكر بمنبته دون ما يعدو ذلك؛ فإن أهلها قد فاتهم أصلان عظيمان من أصول البيان:
أحدهما: ما نسخ من الأحكام التي عهدوها في صدر الإسلام.
وثانيها: ما أنزل من تفاصيل الأحكام.
وهذان الأصلان هما جماع معظم الدين والشريعة، فلذلك تعيَّن أن يكون أهلها تبعًا لأهل المدينة.
فلعل البخاري نظر إلى وجه الاحتجاج بأهلها ولو في الجملة والندرة، أما ما سوى هذين من أمصار الإسلام فلا مزية به؛ لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا من بعد في الأمصار، فصارت الحجة في أقوالهم ولم يكن مِصْرٌ أحرى من غيره بالحجية من حيث عدد سكانه.