للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتعين أن ابن عباس قال ذلك تغليظًا لانزجار الناس عن القتل؛ وإلا فإن علم ابن عباس لا يترك في نفسه شكًا في أن كل ذنب من المسلم يقبل التوبة إن تاب من ذنبه وأقلع عنه. وإذا كان الكفر وهو أعظم الذنوب يقبل التوبة بالإيمان فإن ما دونه من الكبائر أولى بالتوبة وإلا لصار الإيمان لصاحبه أسوأ حالاً من الكفر، ولأصبح قاتل النفس آيسًا من رحمة الله فلا يكون له داع إلى الإقلاع عن ذنبه.

ولا شك أن المراد بالخلود في آية القتل هو طول أمد العذاب خلافً لما تقل هنا عن ابن عباس. ولو أُخذ ذلك على ظاهره لما كان وجه لتخصيص القتل بهذا الحكم. فقد جاءت آيات كثيرة في الجزاء بالخلود في النار على ذنوب كثيرة وكلها قابلة للتوبة إجماعًا من المسلمين. فلا نظن بابن عباس مخالفة الإجماع، وما تأول به آية سورة الفرقان وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} [الفرقان: ٦٨، ٦٩، ٧٠] بانه نزل في أهل مكة فتأول التوبة بالإيمان بعد الكفر، فذلك تأويل غير صحيح؛ لأن الآية جمعت ذنوبًا كثيرة، فإما أن يكون الاستثناء راجعًا إلى كل ذنب فهو حجة على بطلان تأويله؛ وإما أن يرجع إلى مجموع تلك الذنوب فهو يقتضي أن بعضها أولى بالاستثناء، فهو حجة على بطلان تأويله أيضًا.

وبعد، فيجيء على تأويله أن الله كما أنزل قوله: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} [الفرقان: ٧٠] لئلا ييأس المشركون من قبول إيمانهم، كذلك تكون الآية مفيدة في كل ذنب من أولئك بقوله: {مَنْ تَابَ وَآَمَنَ}، فإن الإيمان السابق على الذنب أفضل من الإيمان اللاحق بالذنب.

* * *

سورة الروم

وقع فيه قول مسروق [٦: ١٤٢، ١٩]:

(بينما رجل يحدث من كندة).

«كندة» هذه، محلة بالكوفة، دعيت باسم كندة لنزول جماعة من كندة بها، وهي التي ينسب إليها أبو الطيب المتنبي.

<<  <   >  >>