(عن عبد الله بن مسعود قال: قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم بمكة فسجد فيها وسجد من معه غير شيخ أخذ كفا من حصى أو تراب ورفعه إلى جبهته وقال: يكفيني هذا، فرأيته بعد ذلك قتل كافرًا).
جعل الله سجود من كان حاضرًا من غير المسلمين عند سجدة النبي - صلى الله عليه وسلم - معجزة من معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ سخَّر له معانديه، فسجدوا لسجوده، اقتداءً به، مع أنهم لم يكن السجود من عادتهم، فإنه لمَّا تلا قوله تعالى:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}[النجم: ٦٢]، ظهرت دلائل من نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتجلت عظمة الرب الذي أرسله، وطرقت الخشية المعاندين، فسجدوا كلهم.
وقول ابن مسعود:«غيرَ شَيْخ» هو أمية بن خلف، فقد شاء الله أن يظهر تصلُّبه في كفره، وبعده عن أن يلين قلبه من تسخيره للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فلم يستطع أن يترك السجودمن أصله، ولكنه تكبر بأن رفع التراب إلى جبهته، وكفى بذلك تسخيرًا له مخلوطًا بإيماء من الله تعالى إلى أن ذلك الشيخ أشدُّ كفرًا.
وقد اهتدى ابن مسعود إلى هذا الإيماء فقال:«فَلَقَدْ رأيتُه بَعْدَ ذلك قُتل كافرًا»، فأشار ابن مسعود إلى أن الله ختم لذلك الشيخ بسوء الختام تبعًا لتلك الإشارة الإلهية، وتنبيهًا على أن الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبب للخير، حتى للذين كانوا كافرين به يومئذ.
وينبئ كلام ابن مسعود على أن بقية الذين سجدوا ساعتئذ قد ماتوا على الإسلام، وإلا لما خصَّ ذلك الشيخ بأنه قُتل كافرًا، فهم قد ظهر فيهم شيء قريب من معنى قوله تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}[الأنعام: ١٢٥].
وهذا كله من دلائل التيسير وضده، ولا تعلُّق له بالتكليف ولا بالمؤاخذة؛ لأن أولئك لو تركوا السجود من أصله لما أو خذوا به، فإن كفرهم يقتضي ذلك وزيادة.
واعلم أن ما روي من أن الشيطان ألقى في آذان المشركين مزجًا في قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوهَّموا أنه كما قرأ:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى}[النجم: ١٩]، الآية.