المسيح ابن مريم، ثم رأيت رجلاً وراءه جعدًا قططًا أعور عين اليمنى كأشبه من رأيت بابن قطن واضعًا يده على منكبي رجل يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ قالوا: المسيح الدجال».
تمثيل الطواف بالبيت مع أحوال الدجال في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - يمكن أن يكون تمثيلاً لتدجيل الدجال وتظاهره بخلاف باطن حاله.
وأما وضع يده على منكبي رجل واحد، فلعله تمثيل لتمويهه بأنه المسيح ابن مريم، فمثل ذلك في شبه الحالة التي رئي عليها عيسى - عليه السلام - في تلك الرؤيا.
وكونه واضعًا يدًا واحدة لا يديه معًا، وعلى منكب رجل واحد لا على منكبي رجلين، تمثيل لدقة الاختلاف بين حاله وحال عيسى التي أراد تمويهها لمن كان ذا اهتداء إلى تبين حال تمويهه. فرؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - حق، ويكون حقها تارة في ظاهرها وتارة في تأويلها، فلا ينافي هذا ما صح في الحديث: أن الدجال لا يدخل مكة.
وأما رؤيا عيسى - عليه السلام - متوكئًا في طوافه على منكبي رجلين، فلعله لإكثاره من الطواف بالبيت حصل له إعياء، فاستعان بالتوكؤ حقيقة أو تمثيلاً. وأما توكؤ الدجال فرياء وتمويه.
وإن للرؤيا النبوية أسرارًا لا يعبرها إلا صاحبها -عليه الصلاة والسلام- وما ذكرناه هو إبداء بعض ما تحتمله، والله ورسوله أعلم.
* *
وفيه حديث [٤: ٢٠٤، ١]:
(أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«رأى عيسى ابن مريم - عليه السلام - رجلاً يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا والله الذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني».
لم يكن عيسى - عليه السلام - شاكًا في أن الرجل سرق؛ لأنه قد رآه سرق، فلما أقسم الرجل على أنه ما سرق الذي هو مدلول قوله:«كلا» أراد عيسى أن يوقع في نفس ذلك الرجل حرمة اليمين بالله بعد أن استخف بها، فأتى بكلام موجه يوهم الرجل أنه صدقة في يمينه وتشكك في رؤيته فقال:«آمنت بالله»، وهو كلام حق، وقال:«وكذبت عيني» أي: جعلت ما رأته عيني كالشيء الذي لم يقع؛ إذ أعرض عن