[الأحزاب: ٤٥]، وقوله:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[الأحزاب: ٤٧] ونحو ذلك.
وقد كان القوم جفاة وحريصين على الدنيا، فبادروا بما دل على حرصهم، وعلى أنهم أعرضوا عن الغرض الذي جاؤوا لأجله من الإسلام والتفقه في الدين إلى طلب العرض العاجل، وحملوا البشرى على معنى الوعد بالعطاء، وذلك أن لفظ البشرى يستعمل عند العرب في الوعد القريب بالعطاء وطمأنة السائل بقرب عطائه. وقد تقدم في حديث أبي موسى الأشعري في غزوة أوطاس:(أتى أعرابي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له:«أبشر .... ») إلخ.
ومنه ما في حديث عمرو بن عوف أن (أبا عبيدة قدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه فوفوا صلاة الصبح مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما انصرف من الصلاة تعرضوا له فتبسم وقال: أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنه جاء بشيء؟ قالوا: أجل، قال:«فأبشروا وأملوا ما يسركم ... ») إلخ [٤: ١١٧، ١٤].
وقد بقيت هذه الكلمة مما بقي من فصيح الكلام في بيان أهل تونس؛ إذا وقف سائل على أبوابهم وكان عندهم ما يعطونه يقولون له:(أبشر)، كيلا ينصرف. وتكون كلمة (أبشر) في الوعد بالنجدة العاجلة كما ورد في حديث قسمة أموال هوازن (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادى:«يا معشر الأنصار» فأجابوه: لبيك أبشر نحن بين يديك)، فلما لم تنصرف أفهام بني تميم إلى المعنى المقصود من البشرى كره منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وبشر أهل اليمن بتلك البشرى، فسبق لهم الفوز. فما كانت كراهية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بدر منهم إلا غضبًا من أجل قلة حرصهم على الفوز في الآخرة، وإلا فقد كان رسول الله يجيز الوفد ويحب العطاء ويسخو بما عنده، فأراهم الغضب وصرف البشارة إلى غيرهم تربية لنفوسهم، فلا يتنافى هذا مع ثنائه عليهم الوارد في هذا الباب.
* *
ووقع في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -[٥: ٢١٢، ٢٠]: