هذا حاصل مطوي كلامه، وهو استيناس وليس باستدلال؛ لأن الله أمر رسوله بأن يقتدي بالأنبياء في أعمالهم وهديهم لا في محاكاة أعمالهم إذا حكيت عنهم، وإلا لعمل كل عمل قصه الله عن بعض أنبيائه.
وقد روى النسائي بسنده إلى ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«سجدها داود توبة ونسجدها شكرًا» أي: شكرًا لله على أن قبل توبة داود، إذ قال:{فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ}[ص: ٢٥]؛ وذلك أن قبول الله توبته منة من الله على رسول من رسله، فحقيق لرسوله أن يشكرها؛ لأنها عناية من الله برسول من رسله إزلافًا لمرتبة الرسالة. وذلك يبشر جميع الرسل بأنهم بمراتب القرب. فعند قراءة تلك الآية يتذكر الرسول نعمة الله على رسول مثله، ومن شأن الأماثل أن يستبشروا بما ينال أهل الفضل، كما قال النابغة:
وكنت أمرأ لا أمدح الدهر سوقه ... فلست على خير أتاك بحاسد
* * *
سورة المؤمن
وقع فيه قوله [٦: ١٥٨، ١٥]:
(ويُقال: بل هو اسم لقول شُريح بن أوفى:
يذكرني حاميم والرمح شاجر ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم).
وجه الاستدلال أن شريحًا عربي، وقد أجرى في شعره إعراب النصب على لفظ (حاميم)، فلولا أنه علم انه اسم للسورة لما أعربه؛ لأن حكم الحروف إذا هُجيت أن تُحكى بحال الوقف، نحو: ألف، لام، ميم.
وهذا الاستدلال غير ناهض؛ لأن تلك الحروف لما اشتهرت بها السورة جاز أن يعامل مجموعها معاملة الاسم، وأن تجري عليها أحكام الأسماء في تلك الحالة، أو هو ضرورة.