للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا أنه لا يعرف في الاستعمال أن الحاجة بمعناها الكنائي ترد جمعاً؛ فلذلك كان قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنَ تَخْرُجْن لِحَوَائِجِكُنَّ» ظاهراً في أن المراد به الإذن للنساء في الخروج لأجل أمور يحتجن إليها بمقدار الحاجة.

وذلك أن أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرن بقوله تعالى: {وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ {، وهو أمر خاص بهن لا يجب على غيرهن من النساء. وفهم منه عمر أنهن يُمْنَعْنَ من الخروج؛ فلذلك قال لسودة: «والله مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا» تعريضاً بتغيير ذلك عليها، ظنّاً منه أنها خرجت متسترة. وقصد عمر أن يبلُغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قال رسول الله: «أن تخرجن لحوائجكن» عَلِمْنَ أنهن مرخَّص لهن في مقدار الحاجة.

وقد حمله البخاري على أن المراد من ضمير النسوة جميع النساء؛ فلذلك عمم في الترجمة، فيكون ذلك حكماً عامّاً تقرر للنساء غير أمهات المؤمنين على وجه العزيمة، وأبيح لأمهات المؤمنين على وجه الرخصة، فيكون المراد بالإذن في الحديث مطلق الإباحة.

ويحتمل أن المقصود بالضمير خصوص أمهات المؤمنين فيكون رخصة لهن، ويكون الإذن مراداً به الإباحة بعد النهي، فيكون الكلام تخصيصاً للعموم الملزوم لقوله تعالى: {وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أو بياناً له.

ومن الشارحين من فسر الحوائج بالبراز، وهذا التفسير باطل من جهة اللغة لما علمت من أن الحاجة المكنَّى بها عن البراز لم ترد في كلامهم بصيغة الجمع؛ وباطل من جهة المعنى؛ لأن الخروج للبراز لا يتصور توهم تحريمه؛ لأنه مضطر إليه إذ لم تكن يومئذ في بيوتهم كنف كما ورد في حديث عائشة في قضية الإفك من قولها: «ولم تَكُنْ عندنا يومئذ كُنُفٌ وأمرُنا أمرُ العرب الأُوَل».

على أنه ليس في طرق هذا الحديث ما يقتضي أن سودة خرجت للبراز؛ لأن طريق البراز لا يجلس فيه الناس حتى يرى عمر فيه سودة؛ ولكن الظاهر أنها خرجت لزيارة أو نحوها، وكان النساء يتوخَّيْن الخروج لأمورهن ليلاً استقصاء للستر؛ فأراد عمر بقوله لها أن يحرِّمَ عليهن الخروج للحوائج دون الخروج للبراز.

وليس في طرق هذا الخبر ما يدل على أن خروج سودة كان للبراز بل وقع من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة في هذا الحديث في تفسير سورة الأحزاب [٦: ١٥٠، ١١]: «فدَخَلَتْ زينب فقالت: يا رسول الله خرجتُ لِبَعْض حاجتي

<<  <   >  >>