كالظباء وبقر الوحش وبعض دواب الأرض كالثعلب وابن آوى، فيسمى كل ذلك الطِّيَرة – بكسر الطاء وفتح الياء – فأصل الطيرة تطلق على استفادة الخير والشر من حركات الطير، ثم ألحقوا بها التفاؤل والتشاؤم، وهو فيما يزعمون تتبُّع مقارنات بعض ما يلابس الإنسان من امرأة أو بيت أو فرس أو أمة، فإذا قارنه الخير قالوا: هو ميمون، وإذا قارنه الشر قالوا: هو مَشْؤَوُم، قال أبو الأسود:
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسداً وبغضاً إنه لمشوم
وقد أبطل الإسلام هذه العقائد الوهمية المبنية عليها خرافات وتكاذيب، ومن ذلك هذا الحديث:«لا طيرة» فهو نفي للجنس، أي هذا الجنس المزعوم لا وجود له في نفس الأمر، وإنما هو تخيُّلات يتخيَّلها الناس ومصادفات تبنى عليها أكذوبات.
وقوله:«وخَيْرُهَا الفَأل» الضمير عائد إلى «الطيرة» المنفية، أي خير الطيرة، أي خير ما فيها فيما كانوا يزعمونه الفأل المفسر بأنه الكلمة الصالحة يسمعها المرء.
والمراد بالصالحة التي لو أخبر السامع بمثلها لكان ذلك خبر خير عنده؛ كمن يخرج إلى سفر، فتكون أول كلمة يسمعها في طريقه أن يقول قائل لآخر ... تحظَى بطلبتك، وإنما كان هذا خير الطيرة؛ لأنه كان فيه انشراح لنفس السامه ومسرَّة له، بخلاف ضد ذلك فكانت خير الطيرة التي كانوا عليها لما لها من أثر صالح في النفس.
وليس في هذا ما يقتضي أن ذلك يتحقق، وإنما هو بيان لكون بعض ما كانوا يعتقدونه لم يخل من نفع لهم؛ ولكنه مع ذلك داخل تحت نفي الجنس، وهو اعتقاد أن ذلك له آثار تتحقق.
وأما ما ورد من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه الفأل الحسن، فلعل ذلك خصوصية له جعل الله له من طرق الوحي والإنباء أن يسمع كلاماً حسناً يناسب غرضاً تحدثه فيه نفسه، فيكون ذلك له خطاباً ملكيّاً أو إلهيّاً وُجِّه إليه على لسان بعض عباد الله تعالى، كما كانت رؤيا الأنبياء وحياً فلا يشاركه في اطراد ذلك أحد؛ لأن ذلك بالنسبة إليه معصوم من التخلف، وليس هو كذلك بالنسبة إلى غيره.
وقد ورد أن الله تعالى خلق كلاماً في شجرة كلَّمت موسى كلاماً علم أنه من تلقاء عالم القُدُس، فكذلك قد يخلق خطاباً قدسيّاً على ألسنة بعض عبيده؛ ولذلك صح الفرق بين الشؤم إذ نفاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين الفأل؛ إذ نقل عنه أنه كان يعجبه.