للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووقع في حديث عائشة في بَدْء الوحي قول خديجة [١: ٣، ١٦]:

(وتعين على نوائب الحق).

لم أر شرحًا لهذه الجملة شافيًا في شروح الصحيحين وكتب غريب الحديث واللغة، ولا يزيدون على بيان معنى النوائب، دون تعرض إلى معنى إضافة النوائب إلى الحق، ولا إلى المراد من الحق ما هو؛ فإن الحق له معان كثيرة.

ويظهر أن هذه الكلمة مع التراكيب المذكورة مما جرى مجرى الأمثال في كلام العرب؛ ولذلك كان نظمه على إيجاز بالغ، شأن الأمثال، فقد وقع نظير هذا الكلام في كلام ابن الدَّغُنَّة سيد أهل القارة مع أبي بكر الصِّدِّيق في الحديث الذي أخرجه البخاري في «باب جو ابن الدغنة لأبي بكر» [٣: ١٢٧، ٣] في كتاب الحوالة عن عائشة.

والذي يظهر أن «الحق» هنا ما قابل الباطل، وأن «نوائب» مراد به المعنى الاسمي دون الوصفي؛ فإضافة «نوائب» إلى «الحق» إضافة محضة وليست إضافة لفظية؛ لأن (نائبة) عوملت معاملة الأسماء وتنوسي منها أصل الوصفية فلم تكن إضافتها من إضافة اسم الفاعل؛ ولذلك فإضافتها هنا على نية معنى اللام التي تقدر في الإضافة غالبًا؛ وهي لام الملك، أي هي نوائب يملكها الحقُّ، أي يَمْلِكُ الحقُّ حالةً تشتمل عليها تلك النوائب، فشُبِّه الحق بمالك شيء وكانت النَّائبة، أي النازلة لأجله.

وحرف «على» مؤذن بأن الإعانة في أمر عسير شاق؛ لأن معنى «على» الاستعلاء، وهو استعلاء مجازي بمعنى التمكن.

وفعل الإعانة يُعدَّى بحرف «على» إما إلى المطلوب بحقِّ، نحو: أعانت بنو أسد ذبيان على عبس، وإما إلى تحصيل الشيء المطلوب، كقوله تعالى: {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ} [الفرقان: ٤]؛ أي أعانوه على تأليف القرآن.

واسم «نوائب» يشعر بحوادث انتابت وجّدَّت.

وإضافتها إلى «الحق» يشعر بمعنى أوجدها لحق وقام بها، أي أن حقًّا اعتدي عليه فقام لاسترجاعه، وهذه النوائب مثل مساعي الديات والصلح عن التراب في

<<  <   >  >>