وقوله:«يأتي عليكم» الضمير فيه للأمة لا للصحابة، أي يجيء زمان على الأمة الإسلامية، وذلك في آخر الزمان، كما وقع التصريح به في حديث عدي ابن حاتم بعد هذا:«فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه»، فالمقصود أن ذلك يصير حالاً شاملًا لسائر الناس، وليس المراد أن يوجد آحادٌ من الناس هذه صفتهم لزهد ونحوه مثل حكيم ابن حزام - رضي الله عنه - فإن ذلك لا يخلو عنه زمن في الإسلام.
وفيه حديث عدي بن حاتم [٢: ١٣٥، ١٢]:
(كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجلان: أحدهما يشكو العيلة، والآخر يشكو قطع السبيل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما قطع السبيل فإنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير، وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقابلها منه ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له: ألم أوتك مالًا؟ فليقولن: بلى، ثم ليقولن: ألم أرسل إليك رسولاً؟ فليقولن: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار» إلخ).
يحتمل أن الرجلين جاءا يشكيان حالهما بأن يكون أحدهما عائلاً، والآخر قد تعرض له قطاع الطريق.
ويحتمل أن يكونا شاكيين كثر ذلك في قبيلتهما، أو في الناس، فهما يتمنيان سلامة الأمة من ذينك.
فعلى الأول فقد أجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كليهما ببشارة وتسلية، فبشر من اشتكى قطع الطريق بقرب زوال ذلك، فيحصل الأمن قريبًا، وبشر صاحب العيلة برجاء أن تزول عنه العيلة؛ لأنها ستزول من الأمة تدريجًا حتى لا تقوم الساعة وفي الأمة عائل عوض فيطمع المشتكي منها أن يكون ممن يشمله زوال العيلة في التدرج الأول، أو قريب منه، كما هو المناسب للبشارة، ففي الكلام مع العائل إيجاز حذف، دل عليه المذكور؛ لأن قوله:«لا تقوم الساعة حتى يطوف أحدكم» يشير إلى أن ذلك