وجه المناقضة بحسب الظاهر أنه مرة جعله ركازًا فكان فيه حق الله تعالى، ومرة جوز لواجده كتمانه، بجعله أداء الخمس فيه بمنزلة المغارم والمكوس، وهذا بناه البخاري على المعروف من قول أبي حنيفة وإطلاقه، وقد اعترف به الطحاوي ناصر مذهبه، وقد نقل ابن بطال في شرحه: أن أبا حنيفة ما قال بجواز كتمانه على الإطلاق، بل إنما أجاز ذلك إذا كان واجده محتاجًا إليه، بمعنى إذا تأول واجده أن له حقًا في بيت المال ونصيبًا في الفيء، وكان محتاجًا إليه.
وهذا التأويل مع بعده من كلام أبي حنيفة وأصحابه لا يدفع المناقضة، لأن مآله إلى أن أبا حنيفة اعتبر المعدن اعتبار الأموال المزكاة، فأجاز للمحتاج أخذها، وهو ينافي اعتباراه إياه من الأموال المخمسة التي تعيين مصارفها وتوزيعها للإمام لا لغيره، كما آذن به قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}[الأنفال: ٤١] الآية.
بناءً على أن الآية لا تقتضي قسمته إلى خمسة أصناف، ولكنها بينت ما يصرفه فيه الإمام، وهو المشار إليه بقوله:{فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}[الأنفال: ٤١].
واعلم أن البخاري سمى ذلك مناقضة، بناء على أن أحد القولين لم يقصد به الرجوع عن القول الآخر، بل أريد به بيان حالة من أحوال القول الآخر، ولو كان رجوعًا لم يكن بدعًا.
وفيه حديث أبي هريرة [٢: ١٦٠، ٦]:
(أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس»).
يحتمل أن قوله:«وفي الركاز الخمس» ذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقب ما قبله لمناسبة سؤال سائل عن هذه الأحكام.
ويحتمل أن ذلك مما جمعه أبو هريرة من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدث به بحسب ما حضر مما أراد أن يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلا فلا مناسبة بينه وبين ما قبله.