والحاصل أن تصرف مروان كان تصرف إمارة لا تصرف قضاء، وهو أوسع من تصرف القضاء، ويدل لذلك أن البيتين والحجرة لم تكن في يد آخر، فليس ادعاء بني صهيب إياها بنازلة قضائية، بل الظاهر أن مروان أراد نزعها منهم ظناً بأن تصرفهم فيها تصرف افتيات أو انتفاع؛ فلذا احتاج إلى إثبات أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها صهيباً.
وإطلاق اسم الشهادة على خبر ابن عمر تسامح، وربما يؤيد ذلك بمجيء لام القسم في قوله:«لأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صهيباً ..... » إلخ؛ لأن التأكيد بالقسم من خصائص الخبر دون الشهادة، وإن كانت الشهادة خبراً.
فإن قيل: يمنع من هذا قول الفقهاء: «إن إحياء الموات والإقطاع لا يكون في المدن والمعمور من الأرض».
قلنا: تصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك بالمصلحة التي تقبل من غيره، ولعله أراد تعمير ما حول المسجد أو لغير ذلك، على أن الاختلاف كثير في أحكام الإقطاع وصفاته.
والوجه الثاني: أن يكون مروان جعل شهادة ابن عمر مع حيازة أبناء صهيب بمنزلة حصول شاهدين؛ لأن الحوز شاهد عرفي؛ لأن الأصل عدم العداء، وقد اعتبرنا الحوز شاهداً عرفياً في بعض المسائل مثل حوز الرهن، وإرخاء الستر على المرأة، وعند تكافؤ البينتين المتعارضتين؛ لكنا اعتبرناه كذلك في أنه يعضد باليمين، ولا بعد في أن يحمل كذلك إذا عضد بشاهد آخر وهو أحرى بالاعتبار من الاعتضاد باليمين، فهذا تفسير هذا الحديث.