للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضابط الشرط الذي لا يبطل العقد -عندهم-: أن لا يكون مخلًّا بمقصود النكاح، كأن تشترط خروجها متى شاءت أو طلاق ضرتها ونحو ذلك مما هو منهي عنه.

قالوا: وكون العقد صحيحًا مع بطلان هذه الشروط "لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد، لا يُشترط ذكره، ولا يضر الجهل به، فلم يبطل، كما لو شرط في العقد صداقًا محرمًا، ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد على الشروط الفاسدة كالعتاق" (١).

الثالث: يبطل العقد الذي فيه شرط فاسد: وهو مذهب جماعة من أهل العلم واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وحجته ما يلي:

١ - يكفي في إبطاله النهي الوارد في هذه الشروط فإنه يقتضي الفساد، كنكاح الشغار والتحليل والمتعة.

٢ - أبطل الصحابة هذه العقود، ففرقوا بين الزوجين في نكاح الشغار، وجعلوا نكاح التحليل سفاحًا، وتوعَّدوا المحلِّل بالرجم، (وقد تقدم هذا).

٣ - أن تصحيح هذه العقود مع إبطال الشروط الفاسدة يؤدي إلى الإلزام بالعقود من غير رضا العاقدين أو أحدهما: لأن تصحيح العقد إما أن يكون مع الشرط المحرَّم الفاسد أو مع إبطاله:

(أ) فإذا صححناه مع وجود الشرط المحرم كان هذا خلاف النص والإجماع.

(ب) وإذا صححناه مع إبطال الشرط فيكون ذلك إلزامًا للعاقد بعقد لم يرض به، ولا ألزمه الله به، والعقود لا تلزم إلا بإلزام الشارع أو إلزام العاقد، فإذا كان الشارع لا يلزمه بعقد النكاح مع الشرط الفاسد، ولا هو قَبِل أن يلتزمه مع خُلُوِّه من الشرط، فيكون إلزامه بذلك إلزامًا بما لم يلزمه الله به ورسوله، وهذا لا يجوز.

قلت: وهذا المذهب الأخير قوي ومتجه، إلا أنه يُعكِّر عليه -في نظري- حديث عائشة الذي هو العمدة في هذا الباب، فإن عائشة رضي الله عنها لما أرادت أن تشتري أمةً (اسمها بريرة) لتعتقها، أبى أهلها أن يبيعوها إلا على شرط أن يكون ولاؤها لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها: "اشتريها فأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق" ثم


(١) «المغني» (٧/ ٤٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>