الحمد لله على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أرضه وسمائه، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وعلى وآله وأصحابه صلاة دائمة إلى يوم لقائه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فقد تتابعت كلمة عامة علماء الإسلام في فواتح مؤلفاتهم، وكريم مدوناتهم لجملة من علوم الشريعة الموقرة، وفنونها المشرَّفة، على أن شرف العلم تابع لشرف معلومه، وكرامة عرقه مؤثرة على مولوده.
وقد حصل بالتتبع والاستقراء اتفاق كلمتهم على أن من أشرف العلوم جميعًا، وأعظمها خيرًا ونفعًا: علم أحكام أفعال العبيد، المشتهر بعد باسم «الفقه الإسلامي» المشمول في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه بالدين»(١). وقد خص بالدعوة بالفقه في الدين: ربيب بيت النبوة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل».
فصار ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ترجمان القرآن وحبر الأمة وبحرها الذي لا ينزف.
وعظمة هذا العلم وشرفه تَجل عن الوصف والإحاطة؛ ذلك أنها أحكام تساير المسلم وتلازمه في عموم مسالك حياته فيما بينه وبين ربه؛ وفيما بينه وبين عباده.
فيها يشد حبل الاتصال بعبادة ربه في علانيته وسره؛ من طهارة وصلاة، وزكاة وصيام وحج ونسائك.
وبها ينشر راية الإسلام، ويرفع منار القرآن وذلك في فقه الجهاد، والمغازي، والسير، والأمان، والعهد ونحو ذلك.
وبها يتطلب الرِّزق المباح، ويبتعد عن مواطن الإثم والجناح، وذلك في فقه