للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمهيد

نشأة علم الفقه (١)

[[الفقه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم]]

اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن الفقه في زمانه الشريف مدونًّا، ولم يكن البحث في الأحكام يومئذ مثل بحث هؤلاء الفقهاء، حيث يبينون بأقصى جهدهم الأركان والشروط والآداب، كل شيء ممتازًا عن الأخر بدليله، ويفرضون الصور من صنائعهم، ويتكلمون على تلك الصور المفروضة، ويحدون ما يقبل الحد، ويحرصون ما يقبل الحصر، إلى غير ذلك وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فيرى الصحابة وضوءه فيأخذون به من غير أن يبين: هذا ركن وذلك أدب، وكان يصلي فيرون صلاته، فيصلون كما رأوه يصلى، وحج فرمق الناس حجَّه، ففعلوا كما فعل.

وهذا كان غالب حاله صلى الله عليه وسلم، ولم يبين أن فروض الوضوء ستة أو أربعة، ولم يفرض أنه يحتمل أن يتوضأ إنسان بغير موالاة حتى يحكم عليه بالصحة أو الفساد، إلا ما شاء الله، وقلما كانوا يسألونه عن هذه الأشياء.

وكان صلى الله عليه وسلم يستفتيه الناس في الوقائع فيفتيهم، وترفع إليه القضايا فيقضى فيها، ويرى الناس يفعلون معروفًا فيمدحه، أو منكرًا فينكر عليهم، وما كل ما أفتى به مستفتيًا عنه وقضى به في قضية أو أنكره على فاعله كان في الاجتماعات، فرأى كل صحابي ما يسَّره الله له من عباداته وفتاواه وأقضيته، فحفظها وعقلها، وعرف لكل شيء وجهًا من قبل حفوف القرائن به، فحمل بعضها على الإباحة، وبعضها على الاستحباب، وبعضها على النسخ لأمارات وقرائن كانت كافية عنده. ولم يكن العمدة عندهم إلا وجدان الاطمئنان والثلج، من غير التفات إلى طرق الاستدلال، فانقضى عصره صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك.


(١) هذا المبحث اختصرته من كتاب «الإنصاف» للدهلوى، مع شيء يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>