-صلى الله عليه وسلم-: "كنت لك كأبى زرع لأم زرع"(١).
(١) هذا هو القدر المرفوع من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وها هي بعض الفوائد المتعلقة بحديث أم زرع ذكرها الحافظ بن حجر - رحمه الله - فقال: وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفضِ ذلك إلى ما يمنع، وفيه المزح أحيانًا وبسط النفس به ومداعبة الرجل أهل وإعلامه بمحبته لها ما لم يؤد ذلك إلى مفسده تترتب على ذلك من تجنبها عليه وإعراضها عنه. وفيه منع الفخر بالمال وبيان جواز ذكر الفضل بأمور الدين، وإخبار الرجل أهله بصورة حاله معهم وتذكيرهم بذلك لاسيما عند وجود ما طعن عليه من كفر الإحسان. وفيه ذكر المرأة إحسان زوجها، وفيه إكرام الرجل بعض نسائه بحضور ضرائرها بما يخصها به من قول أو فعل، ومحله عند السلامة من الميل المفضي إلى الجور، وقد تقدم في أبواب الهبة جواز تخصيص بعض الزوجات بالتحف واللطف إذا استوفى للأخرى حقها. وفيه جواز تحدث الرجل مع زوجته في غير نوبتها. وفيه الحديث عن الأمم الخالية وضرب الأمثال بهم اعتبارًا، وجواز الانبساط بذكر طرف الأخبار ومستطابات النوادر تنشيطًا للنفوس. وفيه حض النساء على الوفاء لبعولتهن وقصر الطرف عليهم والشكر لجميلهم، ووصف المرأة زوجها بما تعرفه من حسن وسوء، وجواز المبالغة في الأوصاف، ومحله إذا لم يصر ذلك ديدنًا لأنه يفضي إلى خرم المروءة. وفيه تفسير ما يجمله المخبر من الخبر إما بالسؤال عنه وإما ابتداء من تلقاء نفسه، وفيه أن ذكر المرء بما فيه من العيب جائز إذا قصد التنفير عن ذلك الفعل ولا يكون ذلك غيبة أشار إلى ذلك الخطابي، وتعقبه أبو عبد الله التميمي شيخ عياض بأن الاستدلال بذلك إنما يتم أن لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع المرأة تغتاب زوجها فأقرها، وأما الحكاية عمن ليس بحاضر فليس كذلك وإنما هو نظير من قال: في الناس شخص يسئ، ولعل هذا هو الذي أراده الخطابي فلا تعقب عليه، وقال المازري قال بعضهم: ذكر بعض هؤلاء النسوة أزواجهن بما يكرهون ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم وأسمائهم، قال المازري: وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان من تحدث عنده بهذا الحديث سمع كلامهن في اغتياب أزواجهن فأقرهن على ذلك، فأما والواقع خلاف ذلك وهو أن عائشة حكت قصة عن نساء مجهولات غائبات فلا، ولو أن امرأة وصفت زوجها بما يكرهه لكان غيبة محرمة على من يقوله ويسمعه، إلا إن كانت في مقام الشكوى منه عند الحاكم، وهذا في حق المعين فأما المجهول الذي لا يعرف فلا حرج في سماع الكلام فيه لأنه لا يتأذى إلا إذا عرف أن من ذكر عنده يعرفه، ثم إن هؤلاء الرجال مجهولون لا تعرف أسماؤهم ولا أعيانهم فضلًا عن أسمائهم ولم يثبت للنسوة إسلام حتى يجري عليهن حُكم الغيبة فبطل الاستدلال به لما ذكر، وفيه تقوية لمن كره نكاح من كان لها زوج لما ظهر من اعتراف أم زرع بإكرام زوجها الثاني لها بقدر طاقته، ومع ذلك حقرته وصغرته بالنسبة إلى الزوج الأول، وفيه أن الحب يستر الإساءة، لأن أبا زرع مع إساءته لها بتطليقها لم يمنعها ذلك من المبالغة في وصفه إلى أن بلغت حد الإفراط والغلة. وقد وقع بعض طرقه إشارة إلى أن أبا زرع ندم على طلاقها وقال في ذلك شعرًا، ففي رواية عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عن عائشة أنها حدثت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبي زرع وأم زرع وذكرت شعر أبي زرع على أم زرع. وفيه جواز وصف النساء ومحاسنهن للرجل، لكن محله إذا كن مجهولات، والذي يمنع من ذلك وصف المرأة المعينة بحضرة الرجل أو أن يذكر من وصفها ما لا يجوز للرجال تعمد النظر إليه وفيه أن التشبيه لا يستلزم مساواة المشبه بالمشبه به من كل جهة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كنت لك كأبي زرع» والمراد ما بينه بقوله في رواية الهيثم في الألفة إلى آخره لا في جميع ما وصف به أبو زرع من الثروة الزائدة والابن الخادم وغير ذلك وما لم يذكر من أمور الدين كلها. وفيه أن كناية الطلاق لا توقعه إلا مع مصاحبة النية فإنه - صلى الله عليه وسلم - تشبه بأبي زرع، وأبو زرع قد طلق فلم يستلزم ذلك وقوع الطلاق لكونه لم يقصد إليه، وفيه جواز التأسي بأهل الفصل من كل أمة ... اهـ (نقلًا عن «فقه التعامل بين الزوجين»).