للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ب) وعن مسروق قال: سألت عائشة عن الخيرة، فقالت: «خيَّرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أفكان طلاقًا؟» قال مسروق لا أبالي أخيَّرتُها واحدة أو مائة بعد أن تختارني (١).

(جـ) ولأن التخيير: ترديد بين شيئين، فلو كان اختيارها لزوجها طلاقًا لاتحدا، فدلَّ على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق، واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة.

٣ - إذا اختارت نفسها، هل تقع طلقة واحدة رجعية أو بائنًا أو ثلاثًا؟

مفهوم حديثي عائشة - رضي الله عنها - أن الرجل لو خيَّر امرأته فاختارت نفسها أن يكون طلاقًا من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدل على الطلاق، ومن ثم اختلف أهل العلم فيما يقع - من الطلاق - باختيارها نفسها على ثلاثة أقوال (٢).

الأول: تقع طلقة واحدة رجعية: وهو مذهب الشافعي وأحمد، وهو مروي عن عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعبد الله بن عمرو وغيرهم.

الثاني: تقع طلقة بائنة: وهو مذهب أبي حنيفة وبه قال ابن شبرمة.

الثالث: تقع ثلاثًا في المدخول بها: وهو مذهب مالك.

(قلت): الأول أقربها، وإن كان الذي يظهر من الآية الكريمة: {... إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلًا} (٣).

أن مجرد اختيارها نفسها لا يكون طلاقًا بل لابد من إنشاء الزوج الطلاق فإن قوله {فتعالين أمتعكن وأسرحكن}. أي: بعد الاختيار، ودلالة هذا المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم من حديثي عائشة.

ثم إن تخيير الرجل لزوجته - من غير إرادة الطلاق حقيقة - قد فشا بين المسلمين في هذه الأيام، وما أكثر ما تتبجَّح به الزوجات من تفضيلهن للشيء التافه!! على بقائهن مع أزواجهن عند أهون خلاف، فإيقاع هذا طلاقًا دون إنشاء الزوج له ودون إرادته إياه، مع عدم الدليل في المسألة من قرآن أو سنة مرفوعة، ينافي مقاصد الشريعة وأصولها، والعلم عند الله.


(١) صحيح: أخرجه البخاري (٥٢٦٣)، ومسلم (١٤٧٧).
(٢) «ابن عابدين» (٣/ ٣٢٢)، و «جواهر الإكليل» (١/ ٣٥٩)، و «المجموع» (١٥/ ٤١٠)، و «الجمل» (٤/ ٣٣٨)، و «كشاف القناع» (٥/ ٢٥٥)، و «المغني» (٧/ ٤٠٩)، و «الفتح» (٩/ ٢٨١).
(٣) سورة الأحزاب: ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>