للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أفعل هذا مع كل قول من أقوال العلماء في المسألة.

٨ - ولا أكتفي بمجرد نقل هذه الأقوال وسرد أدلتها، لأن مجرد عرضها دون ترجيح يوقع القارئ في الحيرة واضطراب، من جهة أن الباحث الذي جمع الأقوال ونقَّب عنها لم يُرجِّح، فالغالب أن غيره لا يملك ذلك من باب أولى، بل أحرص على تفهُّم الأقوال وتمحيصها سندًا ومتنًا، ودلالة وأقارن بعضها ببعض، وإجراء ذلك على أصول أهل العلم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، بغرض الوصول للقول الناجح مع غير تعصُّب لأحد كائنًا من كان، فالباحث المنصف، إنما يبحث عن الحق، وعن مراد الله تعالى، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعنيه بعد ذلك إن وافق قول فلان أو فلان، خاصة وأنه إنما يخرج من قول إمام إلى قول إمام آخر.

وقد التزمت في ذلك أن أكون وراء نصوص الشريعة، أسمع منها وأصغى إليها وأفهم مرادها، فلا أسبقها بالقول، ولا أقوِّلها ما لم تقل، ولا أحملها ما لا تحتمل، ولا أطوِّعا على ما تشتهي النفس أو يشتهي ألناس.

والمقصود أنني أحاول الترجيح بمقدار ما بلغت إليه الملكة إن ظهر لي وجه معتبر في الترجيح، فإذا لم يتبين لي وجه الصواب توقفتُ، إذ لا يجوز الترجيح بغير دليل ود برهان.

قال ابن عبد البر- رحمه الله-: «والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الأصول منها وذلك لا يعدم، فإن استوت الأدلة وجب الميل مع الأشبه بما ذكرنا بالكتاب والسنة، فإذا لم يبن ذلك وجب التوقف، ولم يجز القطع إلا بيقين» (١).

وربما أختار قولين قويين من بين مجموع الأقوال، أو أضعِّف ما ظهر لي تضعيفه من الأقوال، فهدا ترجيح جزئي، وهو يقرب المسألة.

أما إذا كانت كفة أحد القوال راجحة بجلاء على غيرها، فإنني أذكر القول القوى بألته الدامغة، مع ذكر القائلين به، على النحو الذي تقدم، ثم أشير إلى الخلاف باختصار، وربما أهمله إذا كان قولاً ساقطًا متهالكًا لا ينبغي الاشتغال بنقله وحكايته إلا لفائدة.


(١) «جامع بيان العلم» (١/ ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>