للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - أن يكون القاذف غير أصل للمقذوف: فلو قذف الأبُ ابْنَه فلا حدَّ عليه عند الجمهور: أبي حنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم، وإسحاق، وهو المذهب عند المالكية، واستدلوا بما يلي:

(أ) قوله تعالى: {وبالوالدين إحسانًا} (١).

(ب) قوله تعالى: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما} (٢) قالوا: فليس من البر ولا من الإحسان ولا من خفض الجناح ضرب الولد لأبيه في القذف (!!).

وأجاب المخالفون: بأن هذا كلام خاطئ؛ لأن من الإحسان والبر لهما إقامة الحدِّ عليهما؛ لأن الحدَّ حكمُ الله تعالى الذي لولاه لم يجب برُّهما فسقط تعلُّقهم بالآية.

(جـ) قياس إسقاط حد القذف عن الولد، على إسقاط القصاص عنه في القتل إذ لا يقاد والدٌ بولده، وإهدار جنايته على نفس الولد توجب إهدارها في عرضه بطريق أولى، وكذلك إسقاط حد السرقة عنه إن سرق ولَدَه.

وأجاب المخالفون: بأن هذا قياس باطل على باطل (!!) حيث إن القول بإسقاط القصاص عن الوالد إذا قتل ابنه أو عدم القطع إذا سرقه ليس له حجة ولا أوجبه نصٌ (!!) ولا إجماع، بل الحدود والقود واجبان على الأب للولد.

قلت: في هذا الكلام نظر، والنصوص فيه ثابتةً كما سيأتي تحريره في موضعه - إن شاء الله.

وذهب عمر بن عبد العزيز ومالك - وهو قول عند المالكية - والأوزاعي وداود وابن حزم وسائر أهل الظاهر إلى أن الأب يُحدُّ بقذف ابنه، واحتجوا بما

يلي (٣):

(أ) عموم قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات} (٤).

قالوا: فلفظ المحصنات في الآية عام ولم يخصص أحدًا دون أحد، ولم يقل: (إلا الوالد لولده) ولو أن الله أراد تخصيص الأب بإسقاط الحد عنه لولده لبيَّن


(١) سورة الإسراء: ٢٣.
(٢) سورة الإسراء: ٢٣.
(٣) «المحلي» لابن حزم (١١/ ٢٩٥).
(٤) سورة النور: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>